فند مشاركون يمنيون وسعوديون في منتدى «عكاظ» حول (ظاهرة التمرد في شمالي اليمن) الفكر التخريبي والتدميري الذي تحمله هذه الفئة، مستندين على حقائق تاريخية ودينية وسياسية تحمل مؤشرات على أطماعهم الآنية والمستقبلية في إقامة دولة مستقلة لهم. ورأى المشاركون «أن الحوثيين خالفوا نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة، وما استقر عليه العمل قديما وحديثا بين أتباع المذاهب الإسلامية، وما تستلزم طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الجيران من الاحترام» . ولفتوا إلى أن الحوثية فكرة مدرسية تحولت إلى فكرة عسكرية وأداة للتأثير على الشباب في اليمن. وأشاروا إلى انتماء الحوثية إلى فرقة تدعي الجارودية التي تكفر الأمة بسبب معتقد خاطئ . وأكدوا أنهم يسيرون في مخطط التشيع السياسي ويتبنونه بقوة من خلال رفع شعارات عدمية مثل الموت لأمريكا وإسرائيل، مشيرين إلى أنهم خالفوا هذه الشعارات بقتلهم لليمنيين. وبينوا أن المتمردين في اليمن يؤمنون بولاية الفقيه ويسعون لتطبيقها في اليمن، ويحصرون الحكم في أهل البيت، موضحين أنهم يجيزون قتل أي شخص يقف في وجههم أو يخالف رأيهم دون خوف أو وجل. جاء ذلك في الجزء الأول من الندوة التي نبسطها في السطور التالية: • كيف بدأت الحركة الحوثية وماجذورها؟ الدكتور أحمد الدغشي: «الحوثية هي عبارة عن فكرة مدرسية تحركت في أولى جذورها الحقيقية عام 1986م عبر تنظيم لم يكن قد أعلن عن نفسه عمليا في ذلك الوقت، بحكم أن التعددية السياسية والفكرية والمذهبية كانت أمرا ممنوعا قبل إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م، لكنه في العام 1990 أعلن عن نفسه رسميا مثل كثير من التنظيمات الأخرى تحت عنوان تنظيم الشباب المسلم». وأضاف الدغشي: «فيما بعد صارت للتنظيم برامج وأنشطة أعلن عنها الأمين العام السابق السيد محمد يحيى سالم عزان وصرح بأن أهداف التنظيم محددة لا تخرج عن تدريس العلم الشرعي وتنمية المواهب الإبداعية في مختلف المجالات، وإعداد الداعية إلى الله إعدادا جيدا في مختلف النواحي، وترسيخ الوحدة بين المسلمين والابتعاد عن كل ما من شأنه تمزيق الأمة». واستعاد الدغشي بداية الفكرة الحوثية، مشيرا إلى أنها «كانت في البداية فكرة مدرسية سلمية في المقام الأول، ولكن منذ العام 2002 استطاع حسين بدر الدين الحوثي أن يخطف هذه الفكرة التي بدأت تربوية تعليمية اتفقنا معها أو اختلفنا لكن ذلك حق مكفول لها وخطف بدر الدين الحوثي الفكرة وأحالها إلى فكرة تعبوية تؤمن بالسلاح والتغيير المسلح. وقد أسفر عن ذلك بالفعل في 17/1/2002م عندما أعلن من داخل قاعة الإمام المهدي في مران شعاره الإيراني الأثير: (الله أكبر.. الموت لأمريكا وإسرائيل.. واللعنة على اليهود.. والنصرة للإسلام)». شعارات عدمية وقال الدغشي: «كان في ذلك تدشين لفكرة جديدة مسلحة لا أدري ولست مطلعا على النوايا ، ولكن إصرار الحوثي الشديد في ما بعد وإخوته من بعده على بقاء هذا الشعار واحدا من الأجندة التي تعلن عند أي حوار مع السلطات عند اندلاع الحرب السادسة كشرط أساسي ولا بد أن يبقى، وعليه تداعت الأمور ووصلت إلى ما وصلت إليه. وفي ظني أن الأمر لا يخلو من قصد راكن لمآلاته، وإلا فما أدري سرا على بقاء هذا الشعار حتى اليوم رغم أنه شعار عدمي وعبثي». ولاحظ الدغشي أن هذا الشعار «لم نجد له وجودا على الأرض حيث لم نر أمريكيا أو يهوديا بين القتلى بل كانوا كلهم يمنيين، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين. ونجد أن المصيبة يمنية والآن امتدت لأن تكون عربية ونسأل الله أن تنحسر هذه الفئة وتثوب إلى رشدها». وتابع : «في اعتقادي أن المؤسس الأول للحوثية محمد العزان لم يكن يقصد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، لكن الفكرة قد خطفت منه عام 2002م وبالتالي صار محمد سالم العزان فردا في مجموعة من الأفراد ولم يعد بمقدوره أن يتحدث». وأوضح الدغشي أن «عدد المراكز والحلقات في 2002م و2003م أصبح 67 مركزا وحلقة في تسع محافظات من بينها بعض المحافظات الشافعية مثل تعز وإب في بعض منها، ووصل عدد الطلبة بحسب بعض التقارير الصحافية، ولا أقول التربوية والتعليمية الموثقة، إذ إن الجهات المعنية مغيبة للأسف الشديد عن هذا الأمر حتى وقعت الفأس على الرأس وصل عدد الطلبة إلى 18 ألف طالب. وبين الدغشي «أن اليمن عبر تاريخها المديد تنتمي إلى مذهبين؛ مذهب الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين المتوفى عام 180ه، وفئة أخرى كبيرة تنتمي لمذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى عام 204ه، وعبر التاريخ لم يكن هناك صراع بين أتباع المذهبين رغم وجود حساسيات ولا ينبغي أن نغيب هذه الحقيقة لأن هناك مشكلات تحدث بين حين وآخر بسبب التسييس». الأصول الفكرية • ماذا عن الأصول الفكرية للظاهرة الحوثية في المنطقة؟ الدكتور أحمد الدغشي: «عند الحديث عن الظاهرة الحوثية لا بد من الحديث عن الأصول الفكرية لها، وأعتقد في هذه العجالة أن ثمة أصلين رئيسيين هو انتماء الحوثية إلى إحدى فرق الزيدية وتسمى الجارودية وهي نسبة إلى صاحبها الجارود زياد ابن أبي زياد بن المنذر العبدي الذي يقال إنه توفي في العام 150ه أو 160ه بحسب بعض الروايات كما أوردها الأشعري. وأضاف الدغشي : «أعتقد أن كل باحث وقارئ لأدبيات الحوثي المكتوبة والتي ألقاها وتم تدوينها وتسجيلها تؤكد أن حسين بدر الدين الحوثي ينتمي في فكره إلى الحوثية وإن كنت لم أستطع أن أضبط هذا التوصيف ضبطا دقيقا، إذ الرجل انتقائي أكثر منه زيديا جاروديا يختلف حتى مع والده وله مزاج عجيب وغريب، وفي رسالة موثقة موجودة في بعض الدراسات أن الخلاف مع والده وصل إلى أن قال له والده إن ظللت على ما أنت عليه فسأغضب عليك ولن تكون بارا، ويبدو أنه اضطر إلى أن يمتثل بعدها لوالده». واشار الدغشي إلى «أنه في خلاف شديد مع رموز ورؤوس المدرسة الزيدية ولعل البعض قد تابع البيان الوثائقي الشهير مثل العلامة محمد عباس المؤيد والعلامة أحمد الشامي والعلامة محمد بن محمد المنصور الذين أدانوا فكره وقالوا إن حديثه خارج عن المذهب الزيدي، إذ الرجل يقول كلاما ضد كل الأفكار والمسلمات مثل إنكاره لعلم أصول الفقه وعلم التوحيد المؤصل المقعد المسمى بعلم الكلام وهذا أصل من أصول الكلام وهو ضد المذهب الزيدي الذي يقوم على ذلك الاعتقاد ودراسته للعقيدة الكلامية، فهو يختلف معهم ويشبههم بالقدرية وأحيانا بالسنة تعييرا وتشنيعا، فهو رجل غير منضبط في فكره وأقرب توصيف له هو أنه أقرب إلى فكر الجارودية بعامل أو بضابط نيله الشديد من كبار الصحابة مثل أبي بكر وعمر والسيدة عائشة (رضي الله عنهم أجمعين)، هذا هو الأصل الفكري الأول وهو انتماؤه للفكر الجارودي بشكل عام». التشيع السياسي وأفاد الدغشي «أن الأصل الثاني هو جذور التشيع السياسي فكل المذاهب الشيعية بلا استثناء تعد الخلافة والحكم أصلا من أصول العقيدة وليست مسألة فرعية أو فقهية كما هو السائد عند غيرهم من أهل السنة، فالاثني عشرية منذ أن بدأ الخلاف في جذوره الأولى في سقيفة بني ساعدة ثم عندما تطور بموت الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وظهور ابن سبأ والحرب الشهيرة بين علي ومعاوية في ذلك الحين صارت هذه القضية عندهم قضية عقيدة، ومن هنا اختلفت مع الطائفة الأبرز وهي السنة وسببها سياسي بامتياز». وقال الدغشي: «يجب أن نميز الحديث عن الزيدية في مسارين؛ الأول هو مسار الإمام زيد بن علي (رضي الله عنه) هذا الرجل المظلوم من فريقين ينتمون إليه وآخرون يجهلون قدره ويختلفون معه وليس في تراثه ما يشير إلى قول بأحقية أو مشروعية خاصة لأهل البيت أو الفاطميين، بل يرى مشروعية الخلافة في كل أحد مؤهل والدليل على ذلك أنه اختلف اختلافا تاريخيا أفضى إلى أن ينقسم جيشه وأن يطلق وصف الرافضة على من اختلف معه عندما طلب منه أن يحدد موقفه من الشيخين أبي بكر وعمر فقال شيخا جدي ووزيرا جدي، فاختلفوا معه وقال لهم اذهبوا فأنتم الرافضة هذا موقفه، فهو يرى أن هناك إمامة للمفضول مع وجود الفاضل وهذه رؤية وهذا فقه ورأي وهذه مسألة علمية، لكنه لا يرى أن يرفع السلاح في وجه الإمام الشرعي الذي انتخبته الأمة». الزيدية الاجتهادية وتابع: «لذلك قال الشهرستاني في الفصل ما خلاصته إنه لما رأى الأمر في اتجاهه العام نحو أبي بكر أيده وصار من أتباعه وإن كان له رأي في ذلك وهذا يختلف كلية عن الاتجاه الزيدي الهادوي الذي جاء مع الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عام 282ه، عندما قدم إلى اليمن من المدينةالمنورة بحجة الصلح بين بعض القبائل اليمنية، ثم دعي مرة أخرى عام 284ه في ذلك الحين جاء وأقام في صعدة في اليمن وامتد نفوذه واستطاع أن يبسط نفوذه على بعض مناطق اليمن واستطاع أن يرسي فكرا زيديا جديدا حسب بعض الباحثين والمحققين الأصيلين أمثال القاضي أبي إسماعيل الأكوع، فإن الزيدية الأصلية في تراثها الأصيل لم تصل إلى اليمن أصلا لأن الإمام زيدا لم يصل ولكن الإمام الهادي أتى بنسخة اجتهادية في رؤيتها من أبرز ما فيها جملة شروط الحاكم منها؛ أن يكون مجتهدا اجتهادا مطلقا وأن يكون فاطميا علويا، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الأمر ثابتا ومسلما به في الفكر الزيدي». الخلافة والإمامة • ماذا عن نظرة بدر الدين الحوثي للخلافة والإمامة؟ الدكتور الدغشي: «بدر الدين الحوثي عبر عن فكرة حصر الإمامة في الباطنيين في حوار شهير مع صحيفة الوسط اليمنية، حيث أكد أنها مسألة مسلم بها فقيل له إن ابنه حسين وصل إلى مجلس النواب عبر الصندوق والانتخاب وليس عن طريق الباطنيين فقال بلهجته الدارجة: لا عليا من هذا الكلام لا تحرجني. وحين سئل هل يميز بين الانتخاب بالديموقراطية وبين الباطنيين قال: الإمامة طريق والانتخاب والديموقراطية طريق آخر، فقيل له هل تعترف بالنظام الدستوري والجمهوري وأنت تقول بهذا الكلام فقال: نحن نؤمن في التراث بشيء يسمى الاحتساب وهو أشبه بفكرة ولاية الفقيه». والمعروف أن فكرة ولاية الفقيه تقول إن الإمام الثاني عشر غاب ولا يدري أحد غير الله متى يعود حسب فهمهم وفكرهم فهل تبقى الأمة معطلة من إقامة الحكومة والإسلامية ومن صلاة الجمعة والجماعة؟ وهذه فكرة قديمة لكن الذي استطاع أن يطبقها ويخرجها إلى النور هو الإمام الخميني، وهذه فكرة الاحتساب عند الزيدية الهادوية، الفكرة تقول لا بأس أن يحكمنا من يحكمنا لكن هذا استثناء. وأضاف : هذا الكلام شكل حرجا بالغا للحوثيين، حتى أن عبد الملك أرسل رسالة إلى صحيفة الوسط ذاتها يعتذر فيها ضمنا عن حديث والده وقال إن حديث والده عبارة عن نظرية تاريخية أما نحن فنؤمن بالصندوق والشرعية وكلام الوالد تاريخي، رغم أنه المرجع الرئيسي في الموضوع. رغم أن هذا الكلام مردود بكلام أخيه حسين الذي يدعي في كل ما كتب في هذا الجانب أن لآل البيت مشروعية خاصة وأن لهم ميزة خاصة وأن الناس دونهم رعاع، ومما اطلعت عليه بعد طباعة كتابي (في الظاهرة الحوثية) وضمنته في الطبعة الثانية أنني اطلعت على خطبة مسجلة كنت أحسبها لحسين لكنها على العموم من التراث الحوثي نفسه لأحد قادة الحوثية وأحد المؤسسين وهو محمد بن عبد العظيم الحوثي، يورد رواية في احتفال الغدير في صعدة يقول إن هذه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الغدير، وفي هذه الرسالة تظهر نظرية الحق الإلهي بجلاء. تحولات ثورية • كيف تحولت الحوثية إلى فكر خارجي وثوري وصل أذاه إلى البلدان المجاورة ومنها السعودية؟ الدكتور الدغشي: «أعتقد أن الكلام السابق الذي أوردت مقتطفات منه يؤكد أنهم لا يؤمنون بشرعية أحد وأن الحكم لا بد أن يكون منهم، ولكن المسألة تستدعي التسلسل وهي أن يسيطروا أولا على صعدة ومن ثم عمران وبعدها الجوف وعلى من استطاعوا من دول الجوار، هذا الفكر واضح أنه لا يعترف لأحد بمشروعية على الإطلاق وكل من وقف أمامه فليذهب إلى الجحيم وكل من لم يعترف بسلالة الحوثي فليذهب كذلك، والوقائع كلها تثبت أن سلالة الحوثي هي المقدمة عندهم وعندما سقط حسين الحوثي قاد المعركة بعده والده ورفيق دربه عبد الله الرزامي خارج القيادة والآن يقودها عبد الملك ولا أدري من سيقودها مستقبلا إن ذهب عبد الملك ونسأل الله أن يكفينا هذه الفتنة». وأضاف الدغشي: «وواضح أن الأسرة هي التي تتبادل المواقع وحتى عبد الله الرزامي وهو رفيق درب حسين الحوثي لم يتول شيئا ذا بال مما يعني أن الفكرة محصورة داخل إطار السلالة الحوثية ذاتها». وأعتقد أن التطور الذي حدث منذ الحرب الثانية وحتى الآن يؤكد أن هناك أربع محافظات تحاول الحوثية أن تدخلها ولها وجود فيها وهي صعدة وعمران والجوف وحجة مما يعني أن المسألة ليست دفاعا عن النفس أو مطالب وإنما هي فكرة توسعية تريد السيطرة على البلاد كلها ومن ثم تمتد إلى حيث تستطيع أن تصل. هذا الفكر الخارجي هو فكر أساسه ومنبته عدم الاعتراف بأي أحد إلا من كان ينتمي لهذا الفكر والسلالة وإلا فإنه غير مشروع ومن ثم فإن مقاتلته واجبة». المشاركون في المنتدى: • القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف رئيس لجنة الحوار في اليمن. • د. أحمد الدغشي أستاذ التربية الإسلامية وفلسفتها في جامعة صنعاء ومؤلف كتاب «الحوثيون». • السفير محمد القطيش القنصل العام في جدة. • الأستاذ أحمد الذهباني مدير عام المركز الإعلامي في القنصلية. • مهدي النهاري رئيس الجالية اليمنية في جدة. • الشيخ محمد حمد القاضي (قاض في اليمن). • مجموعة من أبناء الجالية اليمنية. كتاب ومحررو عكاظ: • عبد الله خياط • د. بدر كريم • د. صالح بن سبعان • د. صالح الكريم • د. أنمار مطاوع • عبد الله حسن عبدالباقي • د. خالد الهباس • د. فيصل العتيبي • نجيب يماني • أحمد عائل فقيهي • فهيم الحامد • سعيد آل منصور • نعيم تميم الحكيم