نحو فهم أعمق للحركة الحوثية لا يمكن وصف القول بأن الحركة الحوثية مجرد (جماعة متمردة) أو ورم طارئ على النسيج الاجتماعي اليمني، إلا أنه قول هش فيه تسطيح مخل لا يخدم في المطلق أي تحليل موضوعي للتعريف والتعرف على هذه الحركة. الحوثية بعكس القاعدة ترتكن إلى معاملين: البعد التاريخي العميق حتى وإن كان اسم التعريف (الحوثي) طارئاً إلا أن ذلك لا يلغي الجذور، والبعد الاجتماعي الذي يبرهن أن قواعد الحركة وشعبويتها الحديثة اعتماداً على سواد مذهبي جارف في العاصمة الأصل لفرقة الزيدية (صعدة) حتى وإن كان البعد يستحق تفصيلاً للفصل في الأصول ما بين الزيدية والحوثية. فكما أن من الخطأ القول في التطابق ما بين الفرقتين (الزيدية والحوثية)، فإن الخطأ المقابل ليس إلا اعتبار الحوثية فرقة مستقلة عن العموم الزيدي. الزيدية مزرعة متباينة فيما الحوثية شجرة من أشجار المزرعة. وفي البعد التاريخي البدهي تعود الزيدية نسباً إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي (كرم الله وجهه) وهو في الأصل من كبار أئمة أهل السنة فيما المفارقة أن تلميذه أبو العبد الجارودي هو مؤسس الفرقة الجارودية،، كأول فرقة زرعت في الزيدية فكرة ولاية الفقيه كأول انحياز في الزيدية إلى العقيدة المذهبية الجعفرية الشيعية. من هنا، ومن الجارودية تحديداً بدأت رحلة الأدبيات التي انتهت اليوم بالحوثية كفرقة موازية مختلفة عن الزيدية في شيء ومتماثلة معها في أشياء أخرى. الحوثية نسل الفكرة الجارودية حتى وإن ظلت الأخيرة نسقاً ثانوياً هامشياً دون كثافة أتباع اجتماعية ولكنها عاشت بعد المؤسس الأول، أبو العبد الجارودي، على النفخ الفكري المتنطع الذي أبقى جذور الجارودية حية رغم غلبة الفكرة الزيدية المعتدلة. أشخاص مثل الهادي بن الحسين ابن القاسم الرسي، مؤسس الحركة الهادوية( من نسل آل البيت وما زال مسجده الهادي أقدم مساجد صعدة وأكثرها إجلالاً في عموم السواد الزيدي، وبعده كان الإمام عبدالله بن حمزة كأكثر الهادوية الجارودية غلواً في فكرة حاكمية الفقيه وشرط ولاية نسل (البطنين) ومن بعدهما جمال الدين علي بن القاسم. وعلى هذه الأفكار استمد بدر الدين الحوثي (الأب المؤسس للحركة الحوثية) صلب أطروحاته وأدبياته امتداداً لجذوة متفرعة من أدبيات الفكر الزيدي كشجرة من المزرعة رغم أن هذا لا ينفي في المطلق أن صلب أطروحة الزيدية (المزرعة) لا تؤمن بحاكمية الفقيه ولا تقر أيضاً بعض رؤية غلاة الجارودية الهادوية في بعض الصحابة الكرام، بل كان منهم من كبار علماء الزيدية من يتطابق مع السنة في الأصول مثل الإمام الشوكاني، أبرز علماء الزيدية في القرن الثامن عشر الذي ناصر الحركة الوهابية وكان من أوائل الذين تواصلوا مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكان أيضاً هناك براهين أدبية في هيئة مقطوعات شعرية في التواصل ما بين المذهبية الزيدية وحركة ابن عبدالوهاب التصحيحية على رأس أبرز الحركات السنية في تلك الفترة. وحتى بهذا الحراك الذي ظلت به الجارودية ومن بعدها الهادوية ومن ثم الحوثية الحديثة كآخر المسميات محصورة في صعدة كمعقل أساس للزيدية وفي (ضحيان) المجاورة بمثابة نجف الزيدية حيث الحوزة العلمية، فإن هذه الخريطة لا تعكس الخريطة المذهبية الصحيحة لليمن حيث الجغرافية التهامية كاملة في الغرب اليمني ومن تخوم ذمار الجنوبية (100 كلم جنوب صنعاء) حتى إب وتعز وكامل ما كان يسمى باليمن الجنوب شافعية خالصة، وتبقى في مساحة الشمال صنعاء ومأرب والجوف خريطة مذهبية متباينة ما بين المذهبين السني والزيدي، وساعد على كثافة الأخير أن اليمن الشمالي ذو كثافة سكانية ديموغرافية. ذاك على البعد التاريخي، أما على البعد الاجتماعي الحديث الذي أفرز الحوثية بانطباع يوحي أنها الحركة الأغلب السائدة في التغلغل النسقي الاجتماعي فيعود إلى العقود فقط الثلاثة الأخيرة. وبحسب مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في صنعاء (2008)، استغل حسين بدر الدين الحوثي الحرية التعددية التي أفرزتها أدبيات الوحدة اليمنية (1990) بإقامة منتدى شباب المؤمن (1992) ومن قبله كان اتحاد الشباب (1984) وهما منظمتان حظيتا بالدعم الحكومي وبتنازلات سياسية من الحكومة المركزية في صنعاء تحت ضغط استشارات تبرهن أحياناً أن الحكومات مسؤولة عن بذور مثل هذه الحركات المؤسلمة السياسية. وخلال فترة التسعينات استطاع منتدى الشباب المؤمن وتحت بصر الحكومة المركزية، افتتاح 67 حلقة تدريس ومدرسة في تسع محافظات يمنية وصل في بعضها إلى قلب الجنوب الشافعي وتهامة اليمن الشافعية أيضاً، بل وحتى لدول مجاورة وكان هذا المنتدى (منتدى الشباب المؤمن) هو الذراع المسيطر على آلاف المعسكرات الصيفية في عموم اليمن ونقطة الجذب الأولى لآلاف الشباب بمعرفة وزارة التربية اليمنية التي تنصلت مؤخراً من تمويلها لهذه المعسكرات ونفت ذلك وهي صادقة محقة ولكن من أين كان لمثل هذه الحركة بدائل التمويل؟ وتذكر الإحصاءات الرسمية أن المعسكرات الصيفية لمنتدى شباب المؤمن قد استطاعت أن تصل 18000 طالب في العام الواحد وأنها كانت أيضاً تعتمد ذات المنهج الخططي للإخوان المسلمين في الدوائر المغلقة ورؤساء الدوائر والمجموعات وهرمية الإشراف ما يجعل من الرقم المعلن صغيراً جداً أمام الأعداد الحقيقية من الشباب الذين يعملون لمصلحة الحركة وتقدر أبسط التقارير وأكثرها تفاؤلاً أن حسين بدر الدين الحوثي استطاع في أوائل هذا العقد أن يصل بمريديه إلى مئة ألف تابع من نواة منتدى الشباب المؤمن ومن اتحاد الشباب عبر هذه المعسكرات الصيفية وبالطبع لا يمكن لنا فصل تأسيس هذه الأذرعة الطلابية في جسد الحركة الحوثية عن الحقيقة التاريخية الأخرى في نجاح الثورة الخمينية قبل هذه الاتحادات الطلابية بفترة زمنية قصيرة وفي الموازي أيضاً لا تنكر هذه الحركة ارتباطها العلمي بالحوزة الدينية الإيرانية التي كان حسين الحوثي شخصياً فيها أحد الطلاب المنتظمين لفترة ليست بالقصيرة في قم الإيرانية. علي سعد الموسى