في الجزءين الأولين من أغنيات متمردة، كنا استعرضنا أغنيات لامس شعراؤها المحظور الديني والاجتماعي، حتى أن الموضوع بلغ وصفه ب «الجردة». لكن تعاقب كثير من كبار نجوم الموسيقى والغناء على التعامل مع هذه القصائد، وتحويلها أغنيات جريئة أو متمردة، جعلها تخرج من إطار حدة «المحظور» إلى «المقبول» بين الناس حتى ولو على مضض. وبدا ذلك واضحا في قصيدة «أراك طروبا» المغناة منذ القدم والمجددة والمعدة لحنا من قبل المطرب اليمني محمد مرشد ناجي، وبعد أن تميز واستمر فيها أداها الفنان علي الصقير، وهي المنسوبة شعرا ليزيد بن معاوية. ويأتي النص المتمرد عبر الأبيات التالية: «على شاطئ الوادي نظرت حمامة .. أطالت علي حسرتي وتندمي ولا تقتلوها إن ظفرتم بقتلها.. ولكن سلوها كيف حل لها دمي ولا تحسبوا أني قتلت بصارم.. لكن رمتني من رباها بأسهمِ لها حكم لقمان وصورة يوسف.. ونغمة داوود وعفة مريم ولي حزن يعقوب ووحشة يونس.. وآلام أيوب وحسرة آدم مدنية الألحاظ مكية الحشى.. هلالية العينين طائية الفم وإن حرمت يوما على دين أحمد.. لأخذتها على دين المسيح بن مريم». ومن الأغنيات التي تعتبر تحريضية لمسايرة الشباب وطاقاته، تأتي الأغنية اليمنية التي طالما رددها محمد عبده «اغنم زمانك» وفيها: «اغنم زمانك يا حبيبي اغنم.. ما دام عادك صغير السن طيشانِ فك صدرك باشم صدرك شم.. وأموت ما بين هذا النهد والثاني». كذلك المبالغة في الموال الشهير لمحمد عبده الذي ردده كثيرا بعد الفنان القديم محمد جمعة خان من أشعار عنترة بن شداد، وجاء فيه: «مهفهفة بالسحر من لحظاتها لو كلمت ميتا يقوم من اللحد أشارت إليها الشمس عند غروبها تقول إذا اسوديت اذا فاطلعي «بعدي» وقال لها القمر المنير الا أسفري فانك مثلي في الكمال وفي السعد» إلى أن يقول: «وسلت حساما من سواد جفونها كسيف أبيها إذا انسل مرهف الحد تقاتل عينها به وهو مغمد فمن عجب أن يقطع السيف في الغمد». كذلك الموال الشهير لمحمد عبده أيضاً والذي فيه يقول: ان لم تكن ابنة العنقود بفمه ففي خده القاني ابو لهب تبت يدا عاذلي في محبته فوجنته حمالة الورد لا حمالة الحطب الصورة والمفردة والمشهد جميل وإبداعي في هكذا نماذج للأغنية المتمردة في نصها، لكن تظل جدلية القبول والرفض بين المتلقين إشكالية تحتاج إلى قرار، لكنه قرار شخصي يظل الجدل فيه ما بين الفرد ووعيه وفكره وإدراكه بالتعامل مع الجماليات في الصورة، والإيمان بأن ذلك ليس خروجا بالمعنى الذي يتحسس منه البعض. في رأيي انه لا يعدو كونه خروجا إبداعيا ليس إلا!. فاصلة ثلاثية: يقول الشاعر الشعبي: لا شفت خصره قلت ميت من الجوع وان شفت ردفه قلت وين المجاعة