كنت أقود سيارتي في أحد شوارع مدينة جدة، وإذا بسيارة تأتي إلى جواري يقودها شاب تتحرك شفتاه، ظننت في البداية أنه يتحدث في سماعة جوال متبعا للتعليمات حتى يتمكن من التحكم في عجلة القيادة بتلك السيارة. لكنني سرعان ما وجدته حين اقترب بسيارته مني يلوح بيديه في حركات هستيرية غير طبيعية، دفعني الفضول لأن أفتح زجاج سيارتي لأتحقق مما يحدث بجواري، وربما كان الشاب يعنيني ويقصدني بكلامه أو حركاته. فوجئت بأن الشاب يكلم نفسه بل يتشاجر معها، وأنها ليست مناجاة الذات، وليست من قبيل الحوار الداخلي الذي يطلق عليه دارسو الأدب ونقاده (المنولوج)، وإنما هذا أقرب ظني واعتقادي حالة نفسية، قد انتابته فراح يهذي ويصيح بل تتحرك كل أعضاء جسده مما يعكس حالة عصبية قد تؤدي إلى مالا تحمد عقباه، خاصة أن الشاب يقود سيارته في الطريق العام، ويتكرر المشهد في يوم آخر وفي منطقة أخرى وبطل المشهد هنا رجل في مقتبل العمر أيضا. فعندما قصصت ما رأيته على بعض الأصدقاء أبلغوني بأنهم معتادون على رؤية مارأيت في الشوارع، سواء كان هؤلاء (الأبطال) يسيرون على الأقدام أم يقودون السيارة. فالمسألة على الرغم مما لها من شكل كوميدي مضحك إلا أنها خطيرة بحق وتستحق منا ومن المختصين الانتباه بل التدخل من الجهات المعنية قبل أن تقع الكارثة ويأتي التدخل متأخرا. إن ضغوط الحياة المعاصرة مادية ومعنوية لها تأثيراتها على الإنسان بوجه عام، بعضنا يقاوم ويتغلب والبعض الآخر يضعف وينهزم، وهذا البعض الآخر ضحية هذه الضغوط، وواجب المجتمع هيئات وأفرادا أن يعالج هذه الظاهرة لأنها ظاهرة مرضية قد يجد أي واحد منا نفسه ضمن أفرادها رغم أنفه. هؤلاء قد يرتكبون جرائم وحوادث دون وعي منهم، وعندها نجد ضحايا آخرين يدفعون إهمال المجتمع لمعالجة هؤلاء الذين تحولوا من ضحايا إلى جناة نتيجة أللامبالاة وعدم الاهتمام بهم. المطلوب من الجهات المعنية وأحسب من بينها وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية متابعة هؤلاء وتكثيف المتابعة وعلاجهم علاجا نفسيا واقتصاديا إن تطلب الأمر فقد تكون المشكلات المادية وهي الغالب.. المتهم الرئيسي وراء كثير من هذه الحالات، هم مرضى نفسيون بحاجة إلى علاج متخصص، بعضهم لا يملك تكلفة العلاج أو الجرأة على الاعتراف بنوعية المرض، مع أن العالم المتقدم لا يجد حرجا في أن يعترف بنوع المرض، ولا يتوانى في العلاج، ونحن أولى بالاعتراف بقضاء الله وقدره. ولكن وإن كان المرض من القضاء والقدر فلا يمكننا أن نعزو إهمالنا وتجاهلنا كأفراد وهيئات لخطورة الظاهرة إلى القضاء والقدر. إني أقرع ناقوس الخطر وأنبه إلى ما يمكن أن يسببه هؤلاء من خطر على أنفسهم وعلى المجتمع، مما يهدد الأمن الاجتماعي.. فلنتحرك جميعا قبل فوات الأوان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة