طوال عشر سنوات لم يدر بذهن المواطن مشني العساف الذي يعيش في العقد الخامس من العمر مقعدا على كرسي متحرك، أن تداهم السيول منزله بعد أن ظل همه الأكبر متمثلا في العلاج من مرض عضال في عموده الفقري أصابه بالشلل التام، إلا أن فاجعة جدة أدخلت خطا جديدا في سيناريو حياته الحزينة ينحصر في كيفية مواجهة الأمر إذا ما تكرر مستقبلا، خاصة أنه يقطن وحيدا في منزله الشعبي. عند مداهمة السيل منزل العساف بغزارة لم يستطع الهرب بكرسيه المتحرك الذي علق وسط مياه السيول والمخلفات ما دفعه للاستغاثة طلبا للنجدة بالصراخ، حتى التقط صراخه وافد من الجنسية التشادية رفض مساعدته إلا بمقابل مادي يحفظ له حياته. لم تكن الأجرة وقتها مهمة لقاء البقاء على قيد الحياة في الوقت الذي كان المطر يدخل إلى منزله عبر تشققات الأسطح، والسيل عبر الباب، واكتملت المصائب بطفح مجاري الصرف الصحي فاكتمل حصاره من كل الجهات في منزله المكون من غرفة واحدة. يقول العساف «بعد أمطار الثلاثاء الماضي وصل منسوب المياه في منزلي إلى حد جعلني لم أعد راغبا للسكن فيه، وقررت العودة إلى دياري بعد أن صعقت بمشهد السيول الجارفة التي تحدث لأول مرة في جدة بهذا الشكل». ويوضح العساف أن السيل داهمه مع مخلفات متعددة جعلت من منزله مرسى للقوارض والحشرات الناقلة للأمراض، أبرزها بعوض حمى الضنك الذي تكرر عليه مشاهدته في أكثر من مرة. ودعا العساف أمانة جدة إلى اتخاذ وضع حاسم تجاه هذه الحشرات في الرش الفوري لجميع منازل الجامعة الشعبية كونها الأكثر عرضة لهذه الأوبئة. طوال الحديث مع العساف لم يتحدث عن مطالب شخصية، خاصة أن الواقع يفيد بحاجته لرعاية واهتمام أكبر، ولكنه كحال سكان جدة باتوا يفكرون في ضمان عدم تكرار تجربة لم تخطر على بال، ولم يشهدوها سوى في أفلام سينمائية تتحدث عن تجارب الكوارث الطبيعية، ولكن ما حدث في جدة ليس طبيعيا لأن سببه يعود إلى الإنسان.