اتصل اسم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بالخير حتى بات من المتداول في أدبيات الخطاب على المستوى الشعبي والثقافي ذكره متصلا به وكأنما أصبح الخير جزءا من اسمه، وأصبح «سلطان الخير» علما في الإشارة إليه. ولم يتوقف تداول التسمية المركبة من اسم سموه ولفظ الخير عند حدود الاستخدام الأدبي في المقالات والتحقيقات التي تتابع ما يقدمه سموه من مشاريع خيرية خطت كثيرا من الجوانب، بل امتد تداول التسمية ليشكل لازمة تتداولها الأوساط الشعبية ممن نالهم الخير من يدي سموه أو شهدوا ذلك الخير. والتسميات وما يتصل بها من كنى وألقاب يمكن لها أن تكون شواهد صادقة على ما يتبلور من صورة ذهنية عن الأشخاص من خلال ما يقفونه من مواقف أو يقومون به من أفعال. وللخير عند العرب دلالات شاملة تبدأ بدلالته على الخير الذي هو نقيض للشر وتنتهي بالدلالة على الوفرة والكرم والعطاء، ولذلك أصبحت هذه الكلمة متضمنة من المعاني ما يجعل من الاتسام بها دلالة على ما يتسم به من تتصل به بكل المعاني السامية والجميلة والرفيعة، كما أن من شأنها أن تجعل من يتسم بها صاحب فضل ومكانة في قلوب الناس جميعا. وحين يتصل اسم سموه بكل هذه المعاني فإن تلك شهادة جلية على ما يتمتع به سموه من مكانة في أنفس المواطنين الذين عرفوا من سموه الخير في يسرهم وعسرهم ونالهم فرادى ومجتمعين نصيب منه. مأسسة الخير تحول العمل الخيري عند الأمير سلطان من بذل فردي للمواطنين الذين يلمس سموه حاجتهم للمساعدة إلى عمل مؤسساتي منظم له موارده التي يغدق عليها سموه من عطائه، كما أن له جهاته التي تشرف عليه ومنصرفاته التي تتجه لأصحاب الحاجة من المواطنين، ولعل خير شاهد على ذلك منشأة مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية، إذ أنها خير مثال على ذلك من حيث عنايتها بتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتأهيل الشامل للمعوقين والمسنين من الرجال والنساء، كما تعمل المؤسسة على نشر الوعي بكيفية الرعاية الاجتماعية للمعوقين والمسنين. وكما يؤكد قيام هذه المؤسسة برعاية هاتين الفئتين من المعوقين والمسنين عن اللمسة الإنسانية تجاههما، فإنه يكشف كذلك عن الإدراك الحقيقي لمدى حاجة هاتين الفئتين إلى الرعاية والعناية وبذلك يمكن لنا أن نعتد بعمل المؤسسة باعتباره عملا لمؤسسة تنتمي للمجتمع المدني من حيث عدم بحثها أو استهدافها للربحية من ناحية، وبحكم شخصيتها الاعتبارية المستقلة عن الأجهزة الرسمية الأخرى التي تعنى بهذه الفئات من المواطنين. ثمة مثال آخر على مأسسة العمل الخيري يتمثل في منشأة أخرى تعد من الأيادي البيضاء لسموه والتي جعلته أهلا لحمل لقب سلطان الخير ويتمثل في إنشاء مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، وهي إحدى مشروعات مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، وهي عبارة عن مركز تأهيلي طبي يشتمل على 400 سرير وتقدم الرعاية الطبية الشاملة للمرضى الذين يحتاجون التنويم والمرضى الذين لا يحتاجون التنويم. اللمسة الإنسانية إذا ما توقفنا عند الفئات التي تتجه إليها عناية العمل الخيري لمؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز والمدينة الطبية فإننا نجدها تتمثل في ثلاث فئات هي: المعوقون من النساء والرجال. كبار السن من الجنسين. المرضى سواء كانوا رجالا أو نساء. ومن الملاحظ أن هذه الشرائح الاجتماعية تمثل الإنسان في حالات ضعفه، وتجسد مدى حاجته للمساعدة سواء كان ذلك في حالة إصابته بإعاقة دائمة طارئة أو ملازمة له منذ ولادته أو إصابته بالعجز نتيجة الشيخوخة وكبر السن أو تعرضه للمرض الذي يصبح بسببه في أمس الحاجة للعون والمساعدة، ومن هنا كان الوقوف إلى جانب هذه الشرائح مظهرا من مظاهر التكافل الذي حظ عليه الإسلام وكرس الاهتمام به العاملون في مجال المساعدات الإنسانية والداعمون لمزايا وقيم المجتمع المدني. ولا تتصل اللمسة الإنسانية بتلك الشرائح وحدها، بل تشمل كذلك الأسر التي ينتمي إليها أولئك المعوقون والمعاقات وكبار السن والمرضى من الرجال والنساء، فظهور الإعاقة والمرض والشيخوخة تشكل عامل ضغط نفسي ومادي على الأسر التي يعاني بعض أفرادها من هذه المشاكل سواء تمثلت في الإعاقة أو المرض أو الشيخوخة. يتضح لنا من خلال ذلك أن اللمسة الحانية والتعاطي الإنساني الذي يأخذ شكلا مؤسساتيا من شأنه أن تتسع دائرة المستفيدين منه حينما ينصب اهتمامه على شرائح تشكل هموما اجتماعية تعني قطاعا واسعا من المواطنين. من أعمال الخير تتسع دائرة أعمال الخير حينما تتسع دائرة النظر إلى مفهوم الخير لكي تشمل جوانب أخرى وفئات أخرى هم بحاجة للمساعدة فيما يتصل بهمومهم العلمية وشؤونهم العلمية، ومن هنا جاءت أهمية المشاريع العلمية والبحثية التي يقوم الأمير سلطان برعايتها والإنفاق عليها سواء كانت تلك المشاريع في الداخل أو في الخارج، فمن مشاريع الداخل تبرعه السخي لتمويل وإنشاء كرسي باسمه يعنى بالدراسات الإسلامية المعاصرة التي تهدف إلى التأكيد على وسطية الإسلام وسماحة أحكامه في جامعة الملك سعود، ومن اليسير أن ندرك أهمية مثل هذا الكرسي ودوره في تصحيح صورة الإسلام بعد أن تم تشويه الإسلام على يد المتشددين والمتنطعين وأصبحت له صورة نمطية مغلوطة جرت عليه سوء الفهم وجرت على المسلمين مشاكل عدة كانوا في غنى عنها لولا تنطع وغلو فئات منهم. ومن مهمات الكرسي على ما يشير إليه المشرف عليه الدكتور خالد القاسم اقتراح المشروعات البحثية وإنجاز البحوث المتصلة بسماحة الإسلام وتنظيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات في مجال الوسطية ومضامينها ودعم البرامج التي لها نفس الاهتمام والاختصاص إلى جانب المناشط البحثية المتصلة بحقول المعرفة ذاتها. وخدمة للقرآن الكريم، أقر سموه جائزة تحمل اسمه لحفظ القرآن الكريم تشرف عليها الشؤون الدينية في القوات المسلحة تهدف للإسهام في خدمة القرآن الكريم وتشيع حفظه وتدبر معاني آياته وتكريم حفظته، وقد تم تخصيص مبلغ نصف مليون ريال لهذه الجائزة. ولأن العمل الإنساني والخيري لا يعرف حدودا للمكان والزمان فقد امتدت الأعمال الجليلة لسموه لتشمل دولا وقارات عدة تؤكد الاهتمام بكل ما من شأنه أن يضيء الجوانب الحضارية المختلفة للإسلام ويسهم في الكشف عما تنطوي عليه من قيم إنسانية عظيمة. من تلك المراكز والجمعيات التي حظيت بدعم سموه الكريم: قاعة الأمير سلطان للتراث الإسلامي في جامعة أكسفورد في بريطانيا، الجمعية الإسلامية في البحرين، الجمعية الخيرية في الأردن، الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، مركز البحرين للحراك الدولي، مركز عبد العزيز بن باز للدارسات الإسلامية في جامعة ابن تيمية في البوسنة، روضة الأجيال في قطاع غزة، المدرسة العربية للتربية في الأردن، منظمة الدعوة الإسلامية في الفلبين، المشروع الطبي في باكستان، المركز الصحي في كوسوفا، مشروع الموسوعة عن قضية فلسطين باللغة الإنجليزية في الهيئة العربية العليا في فلسطين، المؤتمر العالمي للصم في أستراليا، جمعية رعاية الأطفال المعوقين في سلطنة عمان، المركز الإسلامي في اليابان، جمعية أهل الحديث المركزية في الهند، الجناح الإسلامي في معرض اكسبو 2000 في مدينة هانوفر في ألمانيا، مركز الدراسات العربية والإسلامية في جامعة بولدينا في إيطاليا، مركز رعاية الأطفال المعوقين في البحرين، ومركز لعلاج الأمراض السرطانية في مستشفى الحسن الثاني في أغادير في المغرب. بإمكاننا إذا ما توقفنا بعد ذلك كله عندما أسبغ على سموه من لقب سلطان الخير أن ندرك أن ما قدمه سموه من أعمال إنسانية في الداخل والخارج هي ما جعله أهلا لهذا اللقب الذي أصبح علما عليه وجعل له من المكانة في القلوب ما يجعلها تتشوق للقائه عند وصوله اليوم لأرض الوطن.