استيقظ أحدهم في صباح أحد الأيام، وتناول فنجانا من القهوة، وارتدى ملابسه، وخرج من شقته الكائنة في المبنى السكني، الذي يقطنه عشرات العوائل. وتعجب من عدم سماعه الضجيج الذي اعتاد عليه في مثل هذا الوقت، ولم ينتبه إلى جاره الذي أسرع الخطى ليطلب له المصعد، لمجرد أن رآه يحمل حقيبته وبعض الأغراض في يديه، لكنه تنبه إلى إلقاء جاره عليه تحية الصباح، مصحوبة بابتسامة، وانتظاره له ريثما يدخل المصعد، قبل أن يسأله عن الطابق الذي يريد، ويضغط له المكبس، ثم يتبادل معه حديثا خفيفا عن الطقس، لا يتجاوز كونه إظهارا للمودة. ولدى توقف المصعد، خرج منه ، بعد أن بادره جاره بإشارة يده، لإعطائه الأولوية، وودعه بقوله: «يوم سعيد». واستقل سيارة أجرة، خالية من العطب، مقاعدها نظيفة، يقودها شخص ملامحه آسيوية، يلبس حلة أنيقة، ويقود بهدوء والتزام، دون أن ينتابه شعور بالخوف من التعرض لحادث، كما ينتابه كل يوم. وبعد أن ألقى السائق عليه تحية الوداع، ترجل من السيارة، دون أن يشعر بضجيج السيارات، وصخب المارة، أو يقلق من الانتقال إلى الجهة المقابلة من الطريق، فما كان عليه إلا أن ينتظر دقيقتين، مع جمهور المشاة، قبل أن تعلن الإشارة الضوئية، الحق المكفول لهم بعبور الطريق، في أمان وسلام. واستهل عمله وسط ترحيب زملاء خيل إليه أنهم يعاملونه معاملة خاصة، بسبب استقبالهم له ببشاشة وابتسام، وتعاملهم معه بذوق واحترام، وتطوعهم بمساعدته لأداء وظيفته بسهولة ومهنية. وبعد انتهاء وقت العمل، تسلى بالسير في طرقات المدينة التي تعج بالزوار، وتنزه بين أماكن جذبها السياحية التي يفوح منها عبق التاريخ، في إطار من العصرية، مفعمة بجميع الخدمات الأساسية والترفيهية، دون أن يشعر بغربة أو توتر، ولم يخش على نفسه من «الغرق» جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت طوال النهار، فلا عجب، فهو الآن في رحلة عمل قصيرة، في إحدى مدن الغرب الراقية حضاريا، والمنتظمة سلوكيا، يفيق بعدها من حلمه الجميل، ويعود إلى مدينته العربية، ونمط الحياة في «واقع آخر». *استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم بجدة [email protected]