يبدو أن كارثة جدة لم تقتصر أضرارها على الضحايا والمشردين، حيث نشب خلاف آخر غير مباشر حول تناول الكارثة فنيا، ففي حين يرصد فريق كتابة مسلسل «طاش» أبرز القصص والأحداث الإنسانية لوضع سيناريو يليق بمسلسل أو حلقة من «طاش»، اعتبر منتج مسلسل «بيني وبينك» الفنان حسن عسيري «أن تناول كارثة جدة دراميا متاجرة بهذه الكارثة وإثارة لأحزان الناس». وبدا هذا التباين الحاد في استطلاع ل «عكاظ» مع عدد من الفنانين والمنتجين والنقاد حول أهمية وجود عمل فني إبداعي يحاكي هذه الأوجاع خصوصا كارثة جدة. وفي حالة إنتاج عمل فني، هل يكون مجرد عمل عابر يفتقر لمقومات العمل الفني ؟. التوثيق واجب الكاتب عنبر الدوسري (أحد كتاب مسلسل طاش) رأى بداية «أن توثيق هذه الفاجعة دراميا واجب على الكتاب والمنتجين»، مرجعا ذلك إلى طبيعة الكاتب والمنتج واهتمامه بمثل هذه القضايا الوطنية ذات الجانب الإنساني. واعتبر «أن مثل هذه الأحداث والمآسي تلهم الكتاب لصياغة أكثر من سيناريو وقصة نظرا لغزارة ما تحويه من فواجع تستحق أن تخلد في ذاكرة الدراما». واستذكر تجارب درامية وسينمائية كثيرة حصلت في عدد من الدول العربية والأجنبية لحوادث ومآس عديدة ولا أدل على ذلك أحداث 11 ستمبر. وتوقع الدوسري «ظهور أعمال درامية عدة تحاكي وجع جدة في أشكال متعددة في الفترة المقبلة، نظرا لاهتمام المجتمع السعودي بهذه الأمور وحرصه على متابعتها». اليد على الجرح وأيد الفنان عبد الله السدحان وجود أعمال درامية تتحدث عن المشكلات والهموم الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السعودي، وذلك بشكل استباقي يطرح المشكلة ويحاول وضع مفاتيح الحلول. ولفت السدحان إلى أن «طاش» كان سباقا في طرح كثير من مشكلات وهموم مجتمعنا بأسلوب كوميدي ناقد ساخر يحاول أن يضع اليد على الجروح التي يعاني منها المجتمع. وقال: «إن ما حصل في جدة أمر محزن ومؤسف، ولا بد من كشف الجهات المهملة التي أسهمت في ذلك الخراب الذي خلف الأحزان للعديد من الأسر السعودية والمقيمة»، مؤكدا أن المكرمة الملكية مسحت دموع الحزن لأهالي جدة ووضعت حدا للفساد. المتاجرة بالكارثة لكن صاحب الصدف للإنتاج الفني الفنان حسن عسيري رفض إنتاج أي عمل عن كارثة جدة، معللا ذلك بالقول: «إنها متاجرة بهذه الكارثة، وإثارة لأحزان الناس التي ضمدتها مكرمة الملك». وقال عسيري: «ليس لدينا في الصدف مخطط لمشروع فني يحاكي قصصا من وحي كارثة جدة، نظرا لأننا نعتبر الفن وسيلة ترفيه وتسلية وليست وسيلة لتوثيق آلام الناس وأحزانهم وتأليبها عليهم من جديد». واعتبر أن «مهمتنا كفنانين أن نروح عن الناس ونخفف آلامهم وليس أن نزيدها عليهم، فنحن شاركنا (فايز المالكي وراشد الشمراني وخالد منقاح وغيرهم) في برنامج لمساعدة المتضررين من سيول جدة». وطالب عسيري الفنانين والمنتجين بتحمل مسؤوليتهم كاملة في المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية معتبرا أن مهمة الفنان ليس أن يمثل وينتج فقط، بل عليه واجب اجتماعي يتمثل في مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم وليس تأليبها عليهم». تبلد الإحساس الناقد الفني محمد السحيمي علق على هذا القضية بالقول: «إن إحجام بعض الفنانين والنقاد عن إنتاج عمل درامي أو سينمائي يحاكي كارثة جدة أو غيره من المآسي الاجتماعية يعود لتبلد إحساس بعضهم بشكل كارثي تجاه قضايانا»، مشيرا إلى «أن عدم التناول يشكل كارثة فنية». وأشار السحيمي إلى أنه «منذ سنوات ننادي بأن تكون الدراما نبضا لواقعنا المحلي السعودي لكن لا حياة لمن تنادي». معتبرا أن «جدلية التحليل والتحريم ساهمت في تعطيل استخدام سلاح الفن كوسيلة للتخفيف من آلام الناس وأحزانهم، ومحاولة مناقشة قضايانا بحرية أكبر مما هو موجود في وسائل الإعلام». ولاحظ «أن غيابنا عن مناقشة مثل هذه القضايا الكارثية في مجتمعنا يعود لغياب محترفين حقيقيين في الدراما السعودية؛ فهي مازالت هاوية ولم ترق إلى درجة الاحتراف». دراما سطحية ووثق السحيمي كلامه بما يعرض اليوم في الفضائيات من دراما سطحية تناقش قضايا تافهة وسخيفة بأسلوب غير راق وغيرحضاري. وقال: «ليس لدينا دراما حتى نطالب الفنانين والمنتجين بالتصدي لتوثيق هذه الكوراث ومحاولة الكشف عن خيوط الفساد بشكل درامي يتماشى مع خطوات الدولة في الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد». وتابع: «أعطني دراما سعودية وارمني في بحيرة المسك». واستغرب السحيمي رفض بعض الفنانين والمنتجين مناقشة مآسينا مثل كارثة جدة وغيرها بحجة وجود الفن للتسلية فقط، معتبرا أن الفن ملك للناس جميعهم وهو وسيلة للتخفيف عليهم. ودعا السحيمي الفنانين لإحياء حفلات فنية لصالح المنكوبين وإنتاج أعمال درامية توثق هذه المآسي، مشبها ذلك بفن الرثاء في الشعر.. ورحب المخرج السينمائي ممدوح سالم بإنتاج أعمال سينمائية تحكي كارثة جدة، «في حال وجود نصوص سينمائية مناسبة لذلك».. وشدد على ضرورة أن تكون المعالجات الدرامية والسينمائية لقضايانا استباقية وليست فقط توثيقية.