يجمع المختصون والمواطنون وسكان جدة على أن (عروس البحر الأحمر) تعاني من مرض مزمن اسمه «العشوائيات والتلوث»، والجهات المعنية والبحثية تتحدث عن الحلول ووضع الخطط والاستراتيجيات، ومع ذلك الجميع ينتظرون الحل والتطبيق على الواقع. «عكاظ» جالت في المواقع العشوائية، والأحياء التي قد تكون الأكثر تلوثا والتقت معنيين، أكاديميين وباحثين، مسؤولي شركات عقارية وبيئية ومواطنين للوقوف على حقيقة انتشار مرض «العشوائيات والتلوث»، أما العشوائيات فهي لأحياء نشأت بدون ترخيص على أراض تملكها الدولة أو آخرون، خارج نطاق الخدمات الحكومية والمرافق، والأحياء العشوائية أو العفوية كما تسميها أمانة جدة نشأت على فترات متباعدة، فبعضها نشأ وتوسع قبل تشريع نظام النطاق العمراني، وبعضها ظهرت خلال الأعوام القليلة الماضية، وتعتبر منطقة مكةالمكرمة الأكثر عددا من حيث الأحياء العشوائية في المملكة طبقا لإحصائيات رسمية. وذكر بعض سكان جنوب ووسط جدة أنهم هجروا منازلهم لانتشار الأمراض الناجمة عن البعوض وسوء تصريف المياه الآسنة، مطالبين الجهات المعنية بفتح ملفات مشاريع الصيانة الدورية لهذه الأحياء التي فضحتها الانهيارات الأرضية وانفجار أنابيب الصرف ما حول الشوارع في تلك الأحياء إلى مستنقعات للصرف الصحي. بداية طالب إبراهيم المالكي وسعيد اليافي أمانة جدة بضرورة التحرك ومعالجة الخلل الذي أدى إلى تسرب مياه الصرف الصحي من خلال تمديد الأنابيب وتنفيذ الخطة المعلنة في هذا الصدد، مؤكدين أن تنوع الاختصاصات بين الأمانة والشركة الوطنية للمياه في معالجة وضع الصرف الصحي أصبح شماعة لمسؤولي الأمانة، مطالبين بتكثيف عمليات الرش والشفط في الأحياء التي وصفاها بالمنسية وعدم التركيز فقط على الأحياء التي تخضع للمراقبة الإعلامية. سلطان الرازمي أحد سكان جنوبجدة «حي غليل» يقول: هناك مشاريع كثيرة تنقص الحي بل إن البنية التحتية منتهية الصلاحية ولابد من بنية جديدة تخدم السكان، والحي معرض لكوارث كثيرة، منها الحرائق، الأمطار، والسيول حيث إن الآليات الكبيرة لا تصل إلى مواقع كثيرة داخل الحي وفي حالة نشوب حريق لا سمح الله قد تحصل كارثة حذر منها كثيرون. أمراض البحيرة أهالي الأحياء المجاورة لبحيرة الصرف الصحي المعروفة مجازا ب «بحيرة المسك» ناشدوا المسؤولين سرعة الالتفات إليهم، وطالبوا بالتدخل على وجه السرعة واتخاذ ما يمكن اتخاذه، لمعالجة الوضع في البحيرة خوفا على حياتهم الصحية. محمد القحطاني من سكان حي السامر يقول: من المؤسف أن يجد الإنسان نفسه مهددا بخطر التلوث، نعيش قلقا مستمرا جراء هذه البحيرة، ولا نجد من يقينا من شرها وخطرها، وهناك مخاوف كبيرة من انهيار لسور البحيرة، وبالتالي من الممكن أن تداهم مياهها المحافظة وتغرقها في أي لحظة خصوصا أثناء هطول الأمطار الغزيرة، وأصبحنا نخشى من تسربها إلى المياه الجوفية، لأنها تحوي كميات هائلة من مياه الصرف وتستقبل المزيد من هذه المياه يوميا ما يفاقم المشكلة. ويتفق محمد فيصل، من حي السامر، مع سابقه قائلا : من أضرار البحيرة الروائح الكريهة التي تنبعث منها، خصوصا في الصيف، حيث تهدأ الرياح وتنبعث الروائح الكريهة في الأجواء ونصاب بالاختناق، وتنتشر أمراض العيون والحساسية الصدرية وغيرهما. نسمع ولا نرى يقول محمد الجهني من حي بريمان: يعاني سكان الحي منذ أعوام من مشاكل منها عدم وجود بنية تحتية أو مجار لتصريف مياه الأمطار والسيول، إذ كشفت الأمطار الأخيرة التي شهدتها جدة سوء التصريف داخل الأحياء ما جعلنا نعاني الأمرين، رغم أننا نسمع عن مليارات الريالات التي خصصت من أجل مشاريع لتصريف مياه الأمطار والسيول، ولم نر شيئا من ذلك، وان موسم الأمطار دائما يعقبه انتشار البعوض وتكاثره، كما تعتبر المياه الراكدة الملوثة مزرعة لنمو يرقات البعوض، وانتشارها على شكل أسراب صغيرة ومتفرقة في داخل المستنقعات، بهذا يحصل التلوث البيئي الذي نتمنى أن يزول. محمد المزمومي يرى أن سكان جدة، وخصوصا الأحياء التي تعاني من سوء تصريف، هم الأكثر ضررا وبات ضروريا تكثيف الرش الأرضي والجوي في مواقع تجمعات المياه، لا سيما بحيرة الصرف التي ما زالت تهدد سكان شرق جدة من الناحية البيئية والصحية. محمد الغامدي تطرق إلى مشكلة أخرى تعانيها أحياء شرق الخط السريع، وخصوصا سكان حي بريمان الذين يعانون من التلوث الصادر من مصانع الخرسانة الأمر الذي جعل البعض منهم يصاب بأمراض صدرية. تنفس الكربون في شمال جدة، بجوار شبك مطار الملك عبد العزيز الدولي، توجد منطقة تكاد تخنق العروس وتملؤها تلوثا ومرضا. حيث عشوائية الورش، واختلاط رائحة المواشي والزيوت مع رائحة الدخان الذي ينبعث من مقاهي الشيشة، تكاد تكون ملاصقة لبعضها.. فضلا عن الحفريات والمطبات الصناعية وزحمة أكوام الحديد والسيارات الخربة داخلها. المنطقة الصناعة 1 ، 2 بينهما حلقة لبيع الاغنام، تكشف واقعا بائسا لعنوان غير سار لعروس جميلة هي مدينة جدة. فجميع العاملين في الورش لا يعني لهم جمال المدينة والحفاظ عليها من التلوث. عماد سمير عامل في ورشة سمكرة سيارات يقول: مستوى النظافة سيئ جدا، فالحاويات تبقى بنفاياتها أياما دون رفعها، ومستوى النظافة والصيانة داخل منطقة الورش سيئ. ويتفق برهان المسؤول في ورشة أخرى مع سابقه ويقول: نقل الورش ضرورة ملحة خصوصا أن هذه المنطقة أصبحت تشوه المدينة وتعتبر من مصادر التلوث وتهدد حياة الأهالي المجاورين لها. فحي سكني كامل به عشرات الفلل، والعمائر محاصر بالورش والمقاهي الشعبية وللأسف يقع بجوار المطار. سلطان رائد الجحف أحد سكان الحي المجاور لمنطقة الورش الصناعية يقول: شيء مؤسف أن تجد نفسك وبيتك محاصرا بمنطقة صناعية ملوثة من كل جانب، حيث أصبحت هذه الورش مصدر إزعاج منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل الحركة لا تهدأ أبدا، ماذا لو حدثت كارثة كحريق مثلا في إحدى الورش كيف سيكون الوضع حتما ستكون كارثة بيئية تهدد السكان. ويضيف الجحف لم تتوقف معاناتنا عند حد الإزعاج والتلوث، وإنما أضيفت لها مشكلة أخرى وهي وجود مقاهي الشيشة التي زادت من زحمة المنطقة وتلوثها وأصبحت رائحتها ممزوجة مع زيوت المركبات والبويا، ونطالب الجهات المسؤولة بالتدخل لمعالجة الوضع والوقوف على مشاكل الحي والعمل على تفعيل فكرة نقل منطقة الورش ويفترض أن يتم نقل هذه الورش إلى منطقة بعيدة عن الأحياء السكنية لحمايتها من أضرارها وحرائقها المستمرة. شركات عالمية المختص البيئي الدكتور محمد بن حبيب الكردي أستاذ مشارك لقسم طب الأسرة والمجتمع في جامعة الملك عبدالعزيز حذر من تراكم المياه داخل الأحياء والشوارع ما يؤثر على البنى التحتية، وطالب بتسليم مشاريع البنى التحتية لشركات ذات سمعة معروفة، وقال: أغلب عمائر جدة قديمة ولم تتم مراعاة الجوانب القياسية والمواصفات فيها، ما ينذر بخطر في حالة التغيرات الجيولوجية والبيئية، إضافة إلى الجوانب النفسية التي تصاحب فقد الأرواح أو الخسائر الفادحة في الممتلكات، ومن الإجراءات التي يتم الأخذ بها الآن محاسبة المتسببين في حدوث مثل هذه الكوارث، والانتباه والمراعاة في أخذ المواصفات القياسية في تصميم أو اعتماد المخططات الجديدة، إضافة إلى البنى التحتية مثل شبكات التصريف لمياه الأمطار، أو الصرف الصحي. ويرى فهاد المرزوقي رئيس مجلس إدارة شركة مقاولات عقارية في جدة أن سبب العشوائيات يعود لعدم قدرة المواطنين على التملك داخل المدينة بسبب ارتفاع الأسعار ما اضطرهم لإيجاد البديل في المناطق المجاورة للمدينة والبحث عن أقل التكاليف في عملية الشراء والتملك، إضافة إلى جشع بعض سماسرة العقار عبر المبالغة في أسعار بعض المخططات ما أسهم في انتشار العشوائية، وكذلك عدم وصول الخدمات لمخططات المنح كان سببا ضمن الأسباب التي أسهمت في انتشار الأحياء العشوائية، داعيا إلى الأخذ في عين الاعتبار عدم تكرار أحياء عشوائية جديدة وإيجاد حلولا مناسبة تسهم في عدم تكرار المشكلة مرة أخرى. الأكثر حيوية رغم الظروف الصعبة إلا أن هناك أخبارا مبشرة لجدة وسكانها، فقد أكد تقرير صادر عن شركة عالمية للاستثمارات والاستشارات العقارية، مؤخرا عن جدة، الذي يعالج التحديات والفرص التي تواجه بوابة المملكة، بينما تنطلق المدينة في تنفيذ رؤيتها للعشرين عاما المقبلة من حيث إعادة تطوير وسط المدينة، وتنفيذ استثمارات كبرى جديدة في بنيتها التحتية، في حين يسلط التقرير الضوء على الخطة التطويرية الضخمة التي أعلن عنها أخيرا ويستمر تنفيذها عشرون عاما. ويقول جون هاريس، رئيس فرع الشركة في المملكة: تستثمر المملكة جزءا كبيرا من ثروتها لتضمن قدرتها على تأمين السكن وفرص العمل للشباب وللسكان الآخذ عددهم بالنمو، مضيفا أن في جدة وحدها مشاريع تطويرية عملاقة وطموحة للغاية جار تنفيذها في الوقت الحالي من شأنها الارتقاء بالسوق العقارية لتكون الأكثر حيوية وازدهارا خلال العقدين المقبلين. ويحدد دليل جدة ست مبادرات رئيسية لإعادة تأهيل العروس ويتناول أهدافها وفي قلب هذه المبادرات تأتي شركة للتطوير العمراني والحضري، وأخرى للتطوير وسط المدن، أما بالنسبة للأولى فهي تنفذ حاليا اثنتين من المبادرات الستة، أولهما إعادة تأهيل منطقتي قصر خزام والرويس، بينما تعكف الأخرى على تنفيذ مشاريع تطوير وسط المدينة، لإعادة تأهيل منطقة الوسط والأحياء التاريخية فيها. ويشير دليل جدة إلى أن هذه المبادرات تتسق مع استراتيجية أخرى تهدف لتحسين بنية المواصلات، بما في ذلك تعزيز القدرات الاستيعابية لميناء جدة الإسلامي، وتطوير المنطقة التي يقع فيها للتخفيف من الازدحام المروري في شوارعها، إضافة إلى تأسيس خط سكة حديد للقطارات الخفيفة يربط وسط المدينة بالمطار، ناهيك عن مشروع قطار مكةالمكرمة – المدينةالمنورة السريع، وأخيراً إنشاء الجزء الغربي من مشروع الجسر البري الذي يربط طرق الشحن البرية عبر البلاد مرورا بالرياضوجدة والدمام. وفي موضوع ذي صلة، رأت دراسة علمية عقارية بأن إعادة تأهيل أحياء وسط المدينة والحفاظ على وظيفتها السكنية سيقود إلى إيقاف هجرة السكان إلى الضواحي والأطراف، وبالتالي ستخف حدة أزمة السكن ويتناقص الطلب على المساكن الجديدة وهذا سيقود- بحسب الدراسة- إلى توفير الموارد (الأموال والأراضي) واستغلالها بشكل مثالي، كما سيحد من مشاكل التمدد الأفقي السريع للمدن، وأوصت الدراسة التي قدمها المهندس علي بن محمد السواط من كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود في الرياض، بسرعة معالجة وضع الأحياء السكنية الواقعة وسط المدينة في سبيل الحفاظ على وظيفتها ورصيدها السكاني الأصلي وإيقاف استمرار هجرة الأسر إلى الضواحي والأحياء الحديثة.