طالب مسلمون في دول مختلفة من العالم بمقاطعة المؤسسات المالية والتجارية في الاتحاد السويسري على خلفية نتائج استفتاء الشعب السويسري بحظر بناء المآذن التي لا تتجاوز الأربع في كل سويسرا، حتى بعد رفض حكومة الاتحاد السويسري لنتائج الاستفتاء الذي تبنته العديد من الدول والهيئات والمؤسسات الغربية مثل: الفاتيكان ومنظمة العفو الدولية، والكنائس والكاتدرائيات والمعابد التي استنكرت وشجبت ونددت بهذا الاستفتاء ونتائجه، الذي يهدف إلى التهويل والإثارة المغرضة تحقيقا للأهواء المشبوهة والرغبات المسمومة. وأوضح الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور عبد السلام داود العبادي أن نتائج الاستفتاء ترتب عليها نداءات كثيرة في العالم تطالب بمقاطعة المؤسسات المالية والتجارية في الاتحاد السويسري، وتحويل الأموال إلى دول أخرى، مشيرا إلى أن هذا الاستفتاء موجه ضد المسلمين الذين يمثلون ربع سكان الكرة الأرضية ويملكون نسبة كبيرة من رؤوس الأموال المودعة في بنوك الاتحاد السويسري، شعورا بما يتمتع به من أمن وأمان وحرية وديمقراطية. وبين أن هناك نداءات أخرى تطالب بقطع العلاقات السياسية بين الدول الإسلامية والاتحاد السويسري ما دام أن أكثرية الشعب يرفض الحقوق الدينية للمواطن السويسري المسلم، وأن هذه النداءات ستجد آذانا صاغية في دول عربية وإسلامية عديدة إذا استمر هذا الحظر وفعل تطبيقه، مثل التداعيات الاقتصادية والسياسية التي أعقبت أزمة الرسوم المسيئة لمقام الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي نشرت في الدنمارك. مواقف حازمة وطالب الأمين، في بيان لمجمع الفقه الإسلامي بعد الاستفتاء، الحكومة السويسرية والحكومات الغربية بمواقف حازمة مع الجهات والأشخاص الذين يسعون لزرع بذور الفتنة والشقاق بين المواطنين في البلد الواحد وبين الأمم والشعوب، مشيرا إلى أن يتم ذلك في إطار تحرك دولي راشد هذا التمييز الديني والتعصب الحاقد، محذرا من تلك الفئات وتحجيم دورهم إعلاميا وسياسيا واجتماعيا، قبل أن يجروا إلى مظاهر عنف وتطرف لا تحمد عقباها، داعيا إلى الالتزام بمنع طرح مثل هذه الموضوعات للاستفتاء والتصويت ومحاولات المنع والإلغاء. ودعا العبادي لحل المشكلة في أسرع وقت ممكن، ونزع فتيل الفتنة بحكمة ورغبة، وعدم إخضاع هذه المبادئ الراسخة في المجتمع الإنساني للاستفاء والمقولات التي تتحكم بها الأهواء الضيقة والمصالح المحدودة، خاصة أن أهمية المئذنة للمسجد بالنسبة للمسلمين تبرز من كونها تعرف بالمسجد الذي يحق لكل المسلمين أن يأتوا إليه لأداء شعائر دينهم، كما أنها تميز دور العبادة عن غيرها، ويرتبط احترامها باحترام الدين وما يمثله. مساس بالحقوق وأكد الدكتور العبادي أن حظر بناء المآذن مساس بالحقوق الأساسية والدينية للمواطن السويسري المسلم ومصادرة لها، وفيه نوع من الكراهية ضده والحيلولة بينه وبين اندماجه الإيجابي في المجتمع السويسري، وفيه رائحة الاستعادة لعهد محاكم التفتيش قبل قرون في أوروبا التي قادت حربا لا هوادة فيها على المسلمين بهذه الصورة البغيضة المقيتة التي تهدد المجتمع الإنساني المعاصر واستقرار. ودعا إلى اسكات الأصوات المطالبة بمزيد من إشعال نار الفتنة، وهي الأصوات التي باتت تعلو هنا وهناك في أوروبا تطالب بحظر النقاب والمدافن الإسلامية وبناء المساجد، وتهزأ وتسخر من شعائر الإسلام ومبادئه وحقائقه في حملة مسعورة تتمثل في ما يسمى: التخويف من الإسلام «الإسلاموفوبيا». التعايش والاندماج وأشار الدكتور العبادي إلى أن التعايش السلمي لا يتحقق بين دول العالم وشعوبه إلا باحترام التنوع الديني والثقافي، وأن معاداة ثقافة أي أمة ومحاولة طمس معالمها أو تذويب هويتها أو الإساءة إلى معتقداتها أو النيل من مقدساتها، تثير الفتن وتزعزع الثقة وتصيب العلاقات والتعايش السلمي بين الأمم على السواء وتنذر بالصدام، موضحا أن الناس في عالم اليوم لم يعودوا يقبلون بثقافة استبعاد الآخر، خصوصا بعد أن وقعت بلدان الدول والأمم والوثائق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأوجدت لحراستها وحماية تطبيقها المنظمات والهيئات. وقال العبادي: «إن التفريق في قوانين الدول حظرا وإباحة بين مآذن المساجد وبين أبراج الكنائس والمعابد ينبئ عن تطرف مثاره الحقد والكراهية التي تبغضها الديانات السماوية والعلاقات الدولية. وأضاف: «إن الأمة الإسلامية فؤجئت بطرح موضوع منع بناء المآذن للاستفتاء على الشعب السويسري، وبالنتائج التي أسفرت عنه، وازدادت دهشتها أن صدر هذا في وقت تتضافر فيه الجهود بين الأمم والحضارات لمد جسور التعاون والحوار من أجل التعايش السلمي فيما بينها»، مشيرا إلى أن التعايش السلمي الذي يعتبر مطلبا ملحا في هذا العصر، لم يكن بدعا في العلاقات الدولية الإنسانية. وأكد العبادي أن الوجود الإسلامي اليوم على كثرته وسعة انتشاره في كل بقاع العالم يحرص فيه المسلمون على حسن التعايش والاندماج الإيجابي الذي يقوم على التعاون البناء والمشاركة الفاعلة من أجل استقرار وتقدم المجتمعات التي تعيش فيها التزاما بهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة واقتداء بالسلف الصالح.