هل انتهت «زفة الأموات» الصاخبة.. والمتشنجة والبائسة.. وهل توقف الموت عند آخر جثة انتشلت لغرقى السيول والأمطار والأنفاق المليئة بالمياه الآسنة.. والطين والهباب والبعوض والذباب.. وهل أشبعنا جثث الغرقى لطما لكي نفيق ونستفيق ؟.. أيها الكتاب المبجلون في كل أرض، أعرف أن هذا الصراخ والعويل والشهيق والزفير والنفير هي محاولات بائسة لتقولوا إنكم أحياء وما تمارسونه الآن هو دفاع ضد الموت.. وإنكم شرفاء وأصحاء ووطنيون مخلصون.. وتجيدون الكلام طيب . وماذا بعد؟!! هل استطاع أحدكم بفعل قلمه «البتار» أن يغير من حال إلى حال أو يزيل عطبا أو يصوب خطأ.. أو يدمل جرحا نازفا أو ينتشل غريقا أو حتى يحي أملا.. إننا نمارس هذا الهذر منذ نصف قرن عن هذه المدينة الغارقة «جدة» تحدثنا وكتبنا طويلا عن تصريف السيول.. والصرف الصحي وبحيرات المسك والطين وشواطىء العفن التي تصب فيها المجاري... فهل تغير شيء؟. تحدثنا عن السطو على الحدائق العامة والأرصفة.. والميادين والمواقف وشواطئ البحر التي أغلقت وأصبح لا يدخلها أحد إلا بالنقود. وكتبنا عن جشع التجار والفجار واللصوص.. والهاربين بالغنائم من بيئتنا الحبيبة الغارقة والنائمة على ظلم الظالمين واستغلال المستغلين.. ونهب الجشعين.. يعرف الجميع أنها مدينة «الشطار» والأثرياء.. والتجار الغارقين من قبل ومن بعد في بحور من المال الحرام.. فلماذا نستغرب أن تغرق!! ..لقد غرقنا من قبل وسرقنا من هذه المدينة الجميلة حليها وجواهرها.. وشواطئها.. وأقمنا على صدر بحرها قصورنا.. وبيوت «الرخ» الأسطورية وتسابقنا في البنيان ونسينا وتناسينا عطب أمعائها التي تنزف كل يوم بالمجاري العفنة.. وتساءلنا لماذا تغرق أحلى المدن في شبر ماء.. وتساءلنا أين ذهبت المليارات من أموال الدولة. ولم ندرك .. ولم يدرك غيرنا بهول الكارثة حتى وقعت!!.. فنصبنا سرادق العزاء وامتلأت أعمدة الصحف بالنواح. ..الآن وقد انكشف المستور: علينا أن نحمد الله تعالى على نعمه وفضله بأن أرسل لنا المطر مدرارا ليكشف عري أولئك المتسترين والمختبئين خلف تلك العبارة الشهيرة «يا طويل العمر كل شيء تمام التمام»، والأحوال على ما يرام.. نحن اليوم لا نحتاج إلى البكاء.. ولا إلى التنديد ولا إلى التشهير ولا إلى النقد المباح وغير المباح.. لقد تحدثت السيول بلسان أبلغ وأصدق من كل لسان ليأتي بعدها أسرع وأنبل وأشجع قرار لولي أمر هذه الأمة ورمز العدالة والرحمة والعطف الملك عبد الله بن عبد العزيز .. بصرف مليون ريال لأسرة كل غريق وكل شهيد.. وتعويض المنكوبين .. والمشردين من منازلهم.. ومن فقدوا ممتلكاتهم.. ويأتي ما هو أهم في المرسوم الملكي الذي أثلج صدورنا.. وهو محاسبة كل متسبب وكل مقصر في أداء واجبه وتكوين لجنة عليا برئاسة الأمير العادل والمنصف خالد الفيصل.. الذي عرف بشجاعته وعدالته ولا يعرف في الحق لومة لائم.. لقد اختار الملك العادل .. الرجل الأمين والحريص والمنصف خالد الفيصل ليرأس أهم لجنة للتحقيق في أحداث فاجعة السيول في مدينة جدة.. وهكذا جاءت رحمة السماء مصحوبة بعدالة ملك رحيم رؤوف عادل ومنصف لشعبه وأهله وبلده.. «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة