صرامة وحزم الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في أسباب كارثة جدة ومحاسبة المسؤولين عنها والمخلين بالأمانة هو إعلان عزم على نزع ورقة التوت عن التقصير والفساد وأهله ممن وضعوا جدة على حافة الهاوية!! وعندما طالبت في مقال سابق بأن تكون المحاسبة بأثر رجعي في تحديد المسؤولية في كارثة سيول جدة، كان ذلك لقناعتي التامة بأن ما حصل ليس وليد أخطاء حديثة أو قصور مستجد، وإنما هو حصاد أخطاء قديمة زادها الإهمال على مدى سنوات طويلة تراكما وحجما؛ لذلك فإن أية محاسبة لا تعود إلى جذور المشكلة، وتضع كل مسئول حاضر أو سابق تقاعس في أداء واجبه وحمل أمانته أمام مسؤوليته لن تجدي نفعا في تصحيح الأخطاء، وإرسال الرسالة الصحيحة لأي مسؤول في الحاضر أو المستقبل بأن الجدارة بالمسؤولية والوفاء بمتطلباتها من أهم شروط ومقومات حملها!! لقد استلم بعضهم مدينة جدة قبل توسعها مدينة خاما، وكان بإمكانه أن يصنع منها مدينة عصرية تتحدى المستقبل، وقد منح كل الإمكانات والصلاحيات لفعل ذلك، لكنه بدلا من ذلك جعل منها ميدان تجارب لزملاء ورفاق الدراسة الهندسية الذين فشلوا في إدراك أهم متطلباتها التنموية الحقيقية وفهم طبيعتها الجغرافية ومجاري سيولها الطبيعية، فكانت جدة بعد ذلك مدينة من ورق تسبح على بحر من المشكلات، وتقف على أرض هشة تفتقر للكثير من عناصر بنيتها الأساسية التي يمكن أن تشكل قاعدتها الصلبة!! اسألوا من أجهض مشروع الصرف الصحي عندما كانت جدة المتوسعة أرضا خصبة للمشاريع التنموية؟! اسألوا من قرر رسميا أن جدة ليست بحاجة لشبكات الصرف؟! اسألوا من دفن البحر دون أن يكترث بعلاج منافذ التصريف الطبيعي نحو البحر؛ لترتد المياه الجوفية التي اختلطت بالصرف الصحي على المدينة، فتملئ شوارعها بوايتات الشفط ؟! اسألوا من اعتمد المخططات ومنح رخص البيع والشراء والبناء في بطون الأودية والشعاب؟! اسألوا كل من له صلة بكارثة أمطار جدة الأخيرة وستجدون أن المسؤولية تضرب بجذورها في أعماق الزمن الذي ما زال كثير من صناعه وشهوده أحياء يرزقون، بعضهم من امتلك الشجاعة ليضع أصبعه في عين الحقيقة كما فعل المهندس يحيى كوشك، وبعضهم من ما زال يتدثر بعباءة الوجاهة المصطنعة لعلها تستر عيوبه، دون أن يدرك أنها عباءة شفافة لا تستر شيئا، فبعض العيوب أكبر من أن تسترها ورقة توت ذابلة!! [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 153 مسافة ثم الرسالة