وقف عبد الكريم الزهراني على أطلال منزله في حي البستان يكفكف أدمعه، وهو يتحدث بصوت تخنقه العبرات، مشيرا بيده إلى الركام وآثار الحطام هذا المكان الذي أقف عليه، منزل شقيقي وعائلته، جرفت السيول كل شيء، أخذت معها الكبير والصغير، الزوجة وأربعة من الأبناء كلهم راحوا ولم يبق في المكان غير الذكرى الحزينة. ظللنا منذ اليوم الأول نبحث عن جثثهم بلا جدوى، في هذا المكان صلينا العيد، وما زلنا ننتظر بارقة أمل في ظهور جثث أعزائنا الراحلين». يقول سكان حي البستان «إن ضاحيتهم سقطت سهوا من ذاكرة الصحف ووسائل الإعلام، رغم أنها كانت من ضمن قائمة الأحياء الأكثر تضررا، ربما لهذا السبب تجاوز سكانه أحزانهم للحظات وهم يستقبلون كاميرا «عكاظ»، كأول صحيفة تدخل الحي الغارق، يقول أهالي البستان إنهم ظلوا يتقاسمون الألم طوال الأيام الثلاثة الماضية، وأمامهم وادى الموت المخترق لمنازلهم وشوارعهم وميادينهم الفسيحة. سجلت عدسة «عكاظ» مشاهد من الدمار والحطام، مثلما رصدت القلق والأسى في عيون الناس بعد أن جرف السيل كل شيء أمامه، ولم يترك غير الألم في ذاكرة الأهالي الذين رووا لحظات الخوف والإعصار واندفاع السيل نحو بيوتهم. سالم عبد الله الشمراني يقول «شاهدنا السيل يسحب معه الجثث، كانت الأيدى الغارقة تطلب الغوث والنجدة، لم يكن في الإمكان فعل شيء أمام سطوة وقوة التيار، فضاعت نصف منازل الحي ولم يبق في المكان غير الذكريات». يضيف الشمراني «هنا كان منزل جاري، ما زلنا نبحث عن سكانه بين جذوع الأشجار وفي المياه الراكدة وداخل السيارات المجروفة والميادين البعيدة، وفي اليومين الفائتين عثرنا على أكثر من جثة وما زلنا نبحث عن المزيد». جولة «عكاظ» رصدت مجرى السيل في وادي قواص الذي يخترق المنازل المدمرة وينخر في عظم المباني الاسمنتية وينشر في المكان روائح الموت. سكان البستان طلبوا من الجهات الخدمية إعادة التيار كي يتمكنوا من البقاء في الحي؛ ليواصلوا مسيرة البحث عن المفقودين.