كلنا نحب جدة لكننا نهرب من واجباتنا تجاهها، كلنا نعشق لحظاتها الساحرة لكننا نختفي فجأة حين تطالبنا بحقوقها علينا، نتعامل معها مثل زوجة المسيار نذهب إليها كلما أردنا الدفء والحنان، نلقي في حضنها البحري همومنا، وحين تتحدث هي عن همومها واحتياجاتها نتذكر مواعيدنا المهمة التي لا تحتمل التأجيل!. وهبنا الله واحدة من أجمل مدن الأرض، مدينة عالمية بامتياز، لكننا شوهنا جمالها، سرقنا الكحل من عينيها، قصصنا شعرها الأسود الطويل، لوثنا ثوبها الأزرق الأنيق، كذبنا عليها ودربناها على الكذب، خبأناها طويلا تحت الدرج حتى انحنى ظهرها، أمطرناها بالمسكنات حتى أدمنت الألم!. ليس المطر وحده الذي يفضح شيخوخة العروس، بحيرات الصرف الصحي أيضا تؤكد أن هذه العروس مصابة بالزهايمر؛ لأنها تسمي المياه الآسنة (مسكا) وعنبر!، شوارعها المغلقة المليئة بالحفر تكشف عن تجاعيدها التي لا يمكن أن تخفيها كل عمليات التجميل، بيوتها التي شيدت دون صكوك تثبت أنها عروس لم توثق عقد زواجها واكتفت بالعقد العُرفي. كم مرة قلنا إننا سنعوضها عن كل ما فات، كم مرة تملكنا الحماس كي نجعل منها أجمل نساء الأرض، ثم فقدنا حماسنا حين تذكرنا العمل الطويل الذي تتطلبه منا هذه المهمة، والغريب حقا أننا واثقون تمام الثقة بأنها متى استعادت شبابها فإنها لن تخذلنا، فليس ثمة عروس مثلها، لكننا حين نتذكر ظروفها وظروفنا، مشاكلها ومشاكلنا، أولوياتها وأولوياتها، ننسى الوعود التي قطعناها ونحن واثقون تمام الثقة بأنها تعودت على النسيان!. فلنفكر في الأمر بطريقة مختلفة، لنعمل على إعادة بهائها من أجل أنفسنا وليس من أجلها، نعم نحن نحبها بجنون، ليس ثمة مجال للشك في شعورنا تجاهها، ولكن لنفعل ذلك حبا بأنفسنا وليس حبا بها، سنكون الرابح الأكبر حين تستعيد بهاءها، هل ثمة عاقل يكون لديه مثل هذه العروس الفاتنة ويتركها تتآكل في زوايا النسيان؟!.