«عقدة الانتظار» التي تتملكنا بين حين وآخر وتشكل هاجساً مقلقاً، فلدى كل منا الاستعداد التام ليضحي بكل العلاقات والإمكانات في سبيل ألا ينتظر مدة من الزمن، يتجاهل ما يحترمه آخرون وربما يلقي بهِ عرض الحائط أو يركنه شيئاً من الوقت لحين انتهاء القصد، ضجيجنا الذي نجيد عزفه في مواجهة أي طابور انتظار، «زماناً ومكاناً»، أصبح منظراً مألوفاً ويجعلنا نتساءل إلى متى هذا؟ حتى الجيل الجديد، وبناء على ما يرى من أقران وسلف، أصبح يمارس الدور ذاته للمشكلة نفسها، بتنا نحتاج لأرقام ترتبنا في كل موقع لأننا لم نعد نجيد ترتيب ذواتنا في الأماكن التي تحتاج إلى ترتيب! دائماً نعمد متأخرين لقضاء أشيائنا ونطوع كل أمورنا جبراً وبلا هوية لتسير في الطريق الذي نريد دون أدنى اهتمام بالآخر، مع أننا نبدي تذمراً من كل من ينتهج طريقة وأسلوباً يخالفان الهوى والمراد، أو يشكل تعارضاً مع مصالحنا، فما يهم «نحن» فقط، انضباطنا المثقوب في وقوفنا أمام إشارات المرور - على سبيل المثال - هو لضرر الورقة الصفراء التي ربما يمنحها لنا رجل أمن، ونحن على يقين انه إن لم يكن هناك في المساحة المقصودة مِن حولنا من يعاقبنا لمارسنا تهميش الإشارة تحت مبرر ظرف طارئ أو موعد مهم، الغريب تماماً أن هذه الأعذار تتكرر يومياً وكأن مسلسل حياتنا اليومية يتناوبه اثنان «موعد مهم وظرف طارئ»! لو أن الجميع أدرك أنه لا يعلم ما يخفيه المستقبل من مَجِاهِيل كُثْر لبات كل خطأ وتسرع في أذهاننا «مَعْلُومَاً» تماماً في الشكل والمضمون، «الدقيقة» تبعاً لمجريات حياتنا فاصل اضطراب كبير وكأننا والانضباط التام على وفاق، نقف في كل مراجعة ومطالبة وكأن المسألة بيننا وبين الحصول على ما نريد دقيقة واحدة هي المسافة بين أن «نكون أو لا نكون» مع انه ليس من المعجز أن نضيف لفئة الدقيقة من وقتنا فئات أخرى من أمهات الخمس والعشر لنحافظ على ذلك القدر من المثالية والانضباط واحترام الغير، بل وفك «شفرة» العقدة التي وضعناها لأنفسنا، الانتظار ذلك الضيق الكبير الذي نفضل أن نستعير عنه بكثير من اللاعقلانية لابد أن نتمهل أمامه كثيراً ونضع أنفسنا في موازنة بين أولويات فرضها علينا أدب واحترام ووعي، ومنطق على الجهة المقابلة يوجب أن نكون مثاليين، نحب للغير ما نحب لأنفسنا، يعجبني قوة انتقادنا أي تصرفٍ لا يليق، لكننا على الوجه الآخر نهمش كل شيء إن أردنا أن نمارس ما نريد، ولا نريد بتاتاً أن يوجَه لنا لومٌ أو انتقاد، بل نبرر أخطاءنا بما هو اشد غرابة من الخطأ نفسه، من المؤكد أن انتظار دقيقة أو أكثر أجمل بكثير من العجلة الفطرية في كل شيء ولا مبرر لذلك إلا ولعنا بخرق الأنظمة وفرد العضل، في كل مواعيدنا نأتي متأخرين دائماً ولا يحتل الحرص موقعاً متصدراً في سلم المواعيد، ولا نلقي بالاً لطوابيرنا إلا إن كان هناك ما ينظمنا من رقم وخلافه، احلم أن استيقظ ذات يوم وأمارس دورة الحياة المعتادة دون رؤية قطع إشارة، أو سماع صوت منبه، أحلم أن أرى طابوراً يسير بصورة مثالية واضحة دون رتوش تعوق تلك الجمالية، أحلم أن أشاهد كل شخص ينتظر في موقع ما وهو يقلب صحيفة أو يفتح كتاباً أو يكتب شيئاً نيابة عن التحايل على كل ترتيب، أحلم ومعي الكثير في ما مضى، وأحلم أن ألغي مقولة «خُلقت الأحلام لكي لا تتحقق». [email protected]