لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. تعكس هذه الكلمات الرائعة التي تتردد في سماء بلادنا في نفس الموعد من كل عام حجم المعجزة الإسلامية التي ما زالت تتكشف عاما بعد عام ويوما بعد يوم عن رسالة فريدة من نوعها ولا مثيل لها بين الرسالات والعقائد التي يدين بها الناس. بدأ الحج عندما أنزل الله عز وجل الآية رقم 22 من سورة الحج على نبيه إبراهيم عليه السلام يأمره فيها أن ينادي في الناس بالحج «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق»، وكان ذلك بعد أن رفع نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام قواعد البيت وأكملا بناءه في مكة «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» (البقرة:127) ومن كان يتخيل حينها أي قبل أكثر من ألفي عام قبل ميلاد المسيح عليه السلام أن نداء يرفع في واد غير ذي زرع في موقع صحراوي منعزل بين جبال بركانية جرداء لا يمثل أية أهمية تذكر للعالم القديم حينها، يمكن أن يتردد صداه جيلا بعد جيل حتى يصبح نداء مدويا يتردد صداه في السموات والأرض جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن حتى أمسى عدد الحجاج في تزايد حد اضطرار الدول الإسلامية إلى توزيع أنصبة سنوية لأعداد الحجاج الذين يمكن أن تستوعبهم المشاعر المقدسة في كل عام. فهل هناك معجزة أكبر من هذه وأغرب من هذه؟!. وهكذا شرف الله أبناء إسماعيل عليه السلام بخدمة ضيوف الرحمن القادمين كل عام والعمل على راحتهم وتسهيل أمورهم حتى يتمكنوا من أداء شعائرهم بيسر وخشوع. ولقد أغدق الله على هذه البلاد الكثير من فضله حتى أصبح حكام هذه البلاد عبر تاريخهم الطويل يتسابقون في اعتماد المشاريع وتطوير منطقة المشاعر المقدسة حتى أصبحت منطقة لا مثيل لها على مستوى المشاعر لأي ديانة من الديانات. وها هي المشاعر المقدسة تستقبل الحجاج هذا العام بالجديد كما هو الحال في كل عام، وكان افتتاح مشروع جسر الجمرات متعدد الأدوار الذي فك اختناقات رمي الجمرات إلى الأبد إن شاء الله هو نجم مشاريع الحج في العام الماضي، أما في هذا العام، فإن مشروع توسعة المسعى التاريخية هو المشروع الذي يضيف جديدا لراحة ضيوف الرحمن، وفي العام القادم إن شاء الله سيكون مشروع قطار المشاعر قد اكتمل ليريح الحجاج من قدر كبير من الزحام بعد الاستغناء عن عشرات الحافلات والعربات التي تستخدم حاليا كوسيلة وحيدة للمواصلات في المشاعر. وليس هذا فحسب حيث يتوقع في العام القادم أو الذي يليه إن شاء الله أن يكتمل ربط مكةالمكرمة بالمدينة المنورة بسكة الحديد لأول مرة في التاريخ أيضا كخطوة أولى إن شاء الله لاستكمالها شمالا حتى الأردن لتتصل بشبكة القطارات العربية الشمالية المتصلة عبر تركيا بكافة أنحاء أوروبا. وهكذا يجد الحاج الكريم في حجه جديدا كل عام ويأمل في المزيد ويجده بفضل الله حتى أصبحت الأحلام تتحقق في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الذي تمكن في وقت قصير من تسطير اسمه بأحرف من نور في تاريخ جهود إعمار المشاعر المقدسة والاستثمار فيها. والاستثمار في المشاعر كما يعلم الجميع مردوده على بلادنا ليس ماديا بالمعنى الحرفي الذي تعارف عليه الناس لمفهوم الربح والخسارة، ولكنه يدخل في التجارة مع الله وإقراض الله قرضا حسنا حسبما ورد في قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا»، قال عمر بن الخطاب هو الإنفاق في سبيل الله. فنحن منذ أنزل القرآن على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نتسابق لكسب رضى الله، قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له «قال أبو الدحداح الأنصاري يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض ؟ «قال نعم يا أبا الدحداح» قال أرني يدك يا رسول الله قال فناوله يده قال فإني قد أقرضت ربي حائطي وله حائط فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح قالت لبيك قال أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. وفي رواية أنها قالت له ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح وفي لفظ رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة». وأبو الدحداح رضي الله عنه وآله وأرضاه هو أحد أجدادنا الذين تنتصب قاماتنا اعتزازا بذكرهم، وقادتنا وإخواننا من المواطنين الذين يقدمون على أفعال كالتي أقدم عليها أبو الدحداح هم أيضا تنتصب قاماتنا اعتزازا بذكرهم، والأمل بالله أن يدخر الأجر لكل مواطن سعودي يخدم حجاج بيت الله في أي موقع من مواقع المسؤولية. فضيوف الرحمن أمانة في أعناقنا وحمايتهم والتخفيف عليهم واجب لا نتهاون فيه ولا نحيد عنه ما حيينا. وأخيرا لا بد أن أذكر ضيوف الرحمن بأن الآلاف من أبناء هذه البلاد الطاهرة ممن كان يجب تواجدهم في المشاعر ليساهموا في تسهيل حجهم يرابطون على حدودنا الجنوبية حاليا لحمايتها من تسلل قوى الشر والظلام التي تسعى إلى زعزعة أمننا وبالتالي إلى زعزعة أمن ضيوف الرحمن وضيوفنا. ولذلك أقول لكافة ضيوف الرحمن إن كنتم ترون ما تبذل بلادنا من جهد ومال تقتطعه من الإنفاق لتنمية بلادنا في مواقع أخرى، نحتاج للإنفاق بها أيضا، يستحق الشكر والثناء فالشكر والثناء لله أولا وأخيرا ولا نرجو منكم غير دعوة صالحة في ظهر الغيب على صعيد عرفات الطاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يوفقه الله ويسدد خطاه في خدمة الإسلام وخدمة شعبه الكريم، ودعوة لجنودنا البواسل المرابطين على خط النار بالنصر المؤزر إنه سميع مجيب.. [email protected]