بكثير من الأسف تابعت فصول مسلسل التهييج الغوغائي الذي جرى بين البلدين الشقيقين مصر والجزائر، وما لا يقل سوءا عن تهييج المواد الإعلامية الغوغائية كان المقالات والتعليقات على هذا الحدث التي اتخذت اتجاه تحطيم المحطم من الذات العربية، فناحت وندبت على أن مثاليات الوحدة العربية هي مجرد شعارات فارغة بدليل ما حدث بين مصر والجزائر، بينما الحقيقة أن المسئول عن تلك الأحداث هو ما يسمى "بعقلية الغوغاء" وهو مصطلح يعني التوجهات والتصرفات الجماعية الغير عقلانية والغير مبنية على مسوغات موضوعية إنما تكون مدفوعة بدوافع انفعالية محضة، واصلها غريزي وهو من السلوكيات الحيوانية، ولهذا يسمى «بعقلية القطيع» فعند تهيج وجري فرد من القطيع يتجاوب القطيع بكامله ويتحرك بشكل متهيج بدون التحقق من سبب هذا التهيج وإن كان خطرا حقيقيا أم أن الفرد الذي أثار فزعهم قد شك فقط بوجود خطر، وعبر التاريخ كانت عقلية القطيع وقود الفتن ومسوغ للاستبداد بحجة أن الشعب غوغائي ولا يمكن إعطاءه أي حرية، وفي مطلع القرن العشرين طورت الحركات الدكتاتورية كالنازية والشيوعية طقوسا لتكريس عقلية القطيع والغوغائية وإلغاء العقلية الفردية النقدية الموضوعية العقلانية وذلك بكثرة المناسبات الجماعية كالرياضة والمخيمات الكشفية والاحتفالات والمسيرات الكبرى، وهذا المبدأ ليس جديدا، فقد استعمله أباطرة الرومان، وكلما كانت الإمبراطورية الرومانية في حالة ضعف كان أباطرتها يبنون مسارح أكبر لإقامة مصارعات المجالدين الذين يتصارعون حتى الموت لتسلية الغوغاء، وقتلت عشرات الألوف من الحيوانات واستقدمت الرياضيين والمرفهين لتسلية وتلهية الغوغاء عن واقعهم، ودائما كان هذا التوجه ينجح، والسؤال، من هم هؤلاء الغوغاء الذي يتلاعب بهم المتلاعبون كقطيع يتهيجون بلا وعي ولا عقل؟! من هم هؤلاء الذين أمكن لرجل في إذاعة راديو رواندا أن يقوم بتحريضهم وتهييجهم بشكل جعلهم ينقلبون على أقاربهم وجيرانهم من العرقية الأخرى في جنون دموي أدى لإبادة مليون إنسان بالسكاكين والسواطير؟ والأمر ذاته في البوسنة والعراق وغيرها؟! الغوغاء هم أناس عاديون لكنهم لا يتمتعون بوعي ذاتي وعقلية ذاتية، وحسب إحدى الدراسات 12% فقط من الناس يتمتعون بوعي وعقلية فردية والباقي هم "إمعات" يعيشون بالعقلية الجماعية وليس لديهم أي وعي ذاتي ولا قناعات فردية ولا عقلية نقدية موضوعية ولا اتجاه تفكير عقلاني منهجي، كما وصفهم الإمام علي: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا-أي استيقظوا» ولهذا لديهم القابلية للتحول لقطيع من الغوغاء عند أي تهييج سواء أكان ديني أو عرقي أو قومي أو رياضي، وظاهرة التعصب والعنف الرياضي حتى بين فرق البلد الواحد ظاهرة عالمية وتسمى «هوليجانيزم» ولهذا ما حصل على خلفية مباراة الجزائر ومصر لا يختص بالعرب وليس له دلالة على أحقاد دفينة بين الشعبين ولا على بطلان الرابطة الجماعية للأمة، إنما هو فقط الواقع المؤسف لحقيقة أن اغلب البشرية تعيش في حالة مشي أثناء النوم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة