ظلت مهنة الطوافة من المهن الرئيسة في موسمي الحج والعمرة التي لا غنى عنها في متابعة الحجيج وتسيير أمورهم. نسلط الضوء عليها عبر حوارنا مع فؤاد عبد الحميد عنقاوي، ممتهن الطوافة منذ عشرات السنين بعد أن ورث تقاليدها عن والده. عاصر فؤاد مهنة الطوافة منذ أن كان يقوم على ممارستها أفراد، منذ أن كان نقل الحجيج يتم عبر الجمال، والماء ينقل على أوان يحملها الرجال على ظهورهم. يسرد ل «عكاظ» فؤاد عنقاوي تفاصيل مهنة الطوافة فإلى التفاصيل: • كيف دخلت مجال الطوافة، وكيف كان الوضع في السابق؟ دخلت إلى هذا المجال كون أبي مطوفا، والوضع كان في غاية الصعوبة بداية الخمسينيات الميلادية، إذ لا مواصلات حيث كنا نقضي مددا طويلة في نقل الحجاج وتأمين سلامتهم عبر قوافل الجمال إلى أن أتت السيارات فخضنا معارك شرسة مع الرمال، كما أن الماء كان شحيحا جدا فكانت (زفة الماء) هي طريقة نقل الماء في المشاعر، حينما كنا نربط إناءي ماء على ظهورنا لسقيا الحجيج، وكانت المشقة بالغة في نقل الماء من عرفات إلى منى، كل ذلك كنا نقوم به ونحن نمثل أنفسنا كأفراد. • يبدو أن العائد كان مجزيا كي تتحملوا تلك المشاق؟ على العكس فلم نكن نجني إلا الفتات، إذ لا رسوم محددة للمطوف وكان المردود عبارة عن ما تجود به أيادي الحجاج من خمسة ريالات أو عشرة، وفي بعض الأحيان يكون المردود بقايا أرز ودجاج، وبحسب الجنسية يكون العطاء؛ فالفلسطينيون مثلا يعطون الزيتون، والسوريون بقلاوة وحلاوة، والمصريون يعطون المش والخبز الناشف الذي يسمى (قراقيش)، و(المنينا) عبارة عن بسكويت. ثم فرضت الحكومة الرسوم للحكومة قبل اكتشاف البترول، وأبقت للمطوفين خمسين ريالا بعد ذلك بعشرين سنة. • كم كان عدد المطوفين في ذلك الوقت؟ لم نكن نتجاوز 1000 مطوف. • والآن كم؟ 30 ألفا أو 32 ألف مطوفة ومطوف، واليوم أصبح من المطوفين من يحتل مناصب مرموقة من وزراء ووكلاء وزراء وأساتذة في الجامعات، فمهنة الطوافة تطورت اجتماعيا واقتصاديا. • حدثنا أكثر عن الخدمات التي كنتم تقدمونها للحجاج كمطوفين. الخدمات التي نقدمها للحجاج لا تقتصر على السكن والنقل والتعامل، بل علاقات ثقافية وتبادل فكري وثقافي، فكنت أتعامل مع صفوة الحجاج، وطبعا رؤساء البعثات الذين قابلتهم لهم دور كبير في توسعة خبراتي. والحج بالنسبة لأهل مكة يعتبر عملا خيريا، وأي مطوف لا يعمل بمفرده بل يعمل معه أولاده وبناته، وأمه وأخته وزوجته، وكل الأسرة تعمل معه لخدمة الحجاج، لأن الله سبحانه وتعالى يسخر أهل مكة لخدمة الحاج، وأؤكد على كلمة (يسخر) لأنها العامل المهم في حديثي عن هذا المجال، فهناك بعض المطوفين تكون لديه ثروة كبيرة تجارة أو عقار وما شابه، وهو غير مكلف بخدمة الحجاج، ولا يقدم لهم أي شيء، في المقابل المطوف وأولاده ملزمون على خدمة الحجاج بأنفسهم، ولا يتكلون في ذلك على أحد. • حدثت لك نقلة وعملت مستشارا أول في وزارة الحج، كيف كان ذلك؟ بداية عملت في تدريب المطوفين ومن ثم تحولت الطوافة من عمل فردي إلى عمل جماعي وأصبحت على هيئة مؤسسات، وكنت عضوا في مؤسسة ثم نائب رئيس ثم رئيسا، وهذا في خمسة عشر عاما. ثم طلبني وزير الحج أن أكون مستشارا له في مكتبه الخاص نتيجة لخبراتي المتراكمة في خدمة الحجيج ثم تقاعدت بعد ذلك، وتركت الطوافة الفردية وعدد حجاجي 3 آلاف، وهو الحد الأعلى، ينتمون ل 23 جنسية . والملك فيصل هو من أطلق الحرية لاختيار الجنسية التي يرغب المطوف بخدمتها بعد أن كان ذلك غير مسموح، وهو من سمح للمطوفين بإعداد الإعلانات ونشرها. • ترأست مؤسسة حجاج اوروبا وامريكا، كيف سارت الأمور؟ اختارتني الحكومة كرئيس لأول مؤسسة حجاج لمسلمي أوروبا وأمريكا وهي مؤسسة غالبية حجاجها من المسلمين المهاجرين، وكانوا على درجة كبيرة من الوعي ولم يكونوا متساهلين في التنازل عن حقوقهم، ودخلت معهم في تجاذبات كثيرة نتيجة اختلاف الفكر وأقفلت المؤسسة بعد ثلاثة أعوام من إنشائها. لكنني ووزير الحج الراحل عبد الوهاب عبد الواسع كنا نفكر في كيفية إيجاد حلول لهذه العملية، لأن دور المؤسسة قائم ولا بد من إجراءات سليمة، وماخططنا له وقدمناه من الحلول أثمر في المؤسسات التي قامت بعدها. • ورئاستك لمؤسسة حجاج إيران ماذا عنها؟ أشعر بارتياح كبير لأنني تدرجت من عضو إلى نائب رئيس إلى رئيس مؤسسة حجاج إيران، برغم أنه أتى وقت عصيب جدا في زمن الحرب بين العراق وإيران، وقد كنت حازما مع التجاوزات التي كانت تحدث، الأمر الذي حدا بالحجاج الإيرانيين إلى أن يذهبوا إلى وزير الحج آنذاك عبدالوهاب عبدالواسع متذمرين من وجودي، وقالوا له: كنا نظن أن الشياطين ثلاثة في منى، ولكنك أوجدت لنا شيطانا رابعا وكانوا يقصدونني. ولكن عندما عزمت على تركهم أعدوا لي حفلا وداعيا كبيرا وقدموا لي العديد من الهدايا الرمزية من سبح وفيروز وفستق، وبعد خروجي من المؤسسة ظلوا يبعثون ب (الكيس) الخاص باسمي لمدة خمسة أعوام. • الآن بعد رحلتك الطويلة ماذا تبقى منك؟ نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة ... فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا أجد نفسي عند بيت الله وخاصة في الروضة الشريفة، فعندها أشعر بالاطمئنان والراحة وأستشعر وجود الله، لذلك أجد نفسي في بيت الله بالرغم من كل إنجازاتي فهو المعظم لدي والمفضل والأولى.