في مرحلة الصبا والشباب المبكر تكون الأحلام ممتدة وسرمدية لا حدود لها والمستقبل عريض ليس له نهاية، فكل شاب يحلم بالوظيفة التي يرغبها وبالعمل الذي يتمناه، دون حدود لهذه الأحلام حيث لا توجد ضغوط أو حواجز أو سدود تعيق أحلام اليقظة التي تواكب هذه الأعمار المليئة بالخيال المفعم بفورة الشباب. بعيدا عن قسوة الواقع، هناك من ينجح في الوصول إلى مبتغاه، وآخرون تقذف بهم أمواج الحياة بعيدا إلى موانىء قاصية لم يتوقعوا الابحار إليها، هذه طبيعة الحياة فليس كل ما يتمناه المرء يدركه. الواقع أفضل علي سعيد الشرحلي موظف القطاع الخاص يروي قائلا: أثناء الدراسة كنت أفكر أن أكون مهندس طيران، هذا هو حلمي في تلك المرحلة، ولتحقيقه بدأت إعداد العدة بدراسة العلوم الطبيعية في الثانوية، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي به السفن، فبعد حصولي على الثانوية وأثناء استعدادي للجامعة في الخارج توفي والدي الذي كان الداعم الأول لطموحي، ولأني الابن الوحيد في الأسرة كان لابد أن أبدل الوجهة وأستعجل الدخول في الحياة العملية والتخلي عن حلم الجامعة. فقد تغيرت الظروف وتبدل الحلم بالواقع، وقررت البحث عن وظيفة، إلى أن وجدتها في القطاع الخاص ولست نادما على هذا الاختيار، فقد وفقت في عملي، وأصبحت الرجل الثاني في الهرم الوظيفي، ووجدت نفسي وحققت ذاتي وتحققت معظم أحلامي ومن بينها بناء منزل والزواج، وأمضيت الآن قرابة 12 عاما في هذا المكان الذي أحبه لدرجة لو خيرت الآن بين وظيفتي الحالية والعمل كمهندس للطيران لرفضت الثانية وواصلت في موقعي. المعلم والمقاول لم يكن يتصور نايف ناشئ القثامي في يوم ما أن يعمل في غير مهنة المحاماة، لكن الظروف قادته إلى عمل آخر، وعن قصة الحلم والواقع يقول: المسألة في البداية لا تقبل المفاوضة، فقد خططت للعمل في المحاماة، ورفضت الدراسة في القسم الطبيعي لتحقيق حلمي، وبعد الحصول على الثانوية كانت أمامي فرصة لدراسة الشريعة الإسلامية، وبعد تفكير ومفاضلة بين الدراسة بجوار الأسرة أو السفر لدراسة القانون انتصرت الفكرة الأولى، وأصبحت معلما، ولم أندم على ذلك. لكن قصة محمد أحمد المنصوري مغايرة، فكان يحلم في شبابه أن يكون مدرسا في أي تخصص وإن كان يحبذ المواد العلمية بالذات.. وعن قصته يقول: التدريس كان محور اهتمامي وسبب ذلك حبي لدور المعلم، واحترامي لرسالته، لكنني توقفت عن الدراسة عند الثاني المتوسط، وتحولت إلى مهنة أخذت كل اهتمامي وهي (المقاولات) وأصبحت معلما فيها. من الطب إلى الخياطة يتحدث ياسين فايد الجبراني عن قصة تختلف عن سابقيه فقد حلم بالطب وانتهت به الحياة إلى خياط.. وعن هذا التحول يقول: تخرجت من الثانوية بعد رحلة دراسة صعبة تحملت مشقتها، ورغم أن الأمور كانت ميسرة لتحقيق حلمي ابتداء من دعم الوالد، الأقارب، والمدرسين، إلى النجاح بمجموع مناسب في الثانوية يؤهلني للطب، لكن الظروف قادتني إلى اتجاه آخر، بدأت فصوله عندما عرض أحد أقاربي علي فرصة للعمل في الخارج وطلب الرد بالموافقة أو الرفض، لم أفكر كثيرا وقبلت العمل ونسيت الطب وانخرطت في العمل خياطا ومازلت في هذا العمل حتى الآن. عامل البنك والدكتوراة مختار انتصار الذي تمنى تحضير الدكتوراة في الدراسات الإسلامية لكي يكون أكاديميا، إنهار حلمه لعدم مقدرته على تكاليف الدراسة ويروي حكايته: حلمي كان الحصول على الدكتوراة في الشريعة وتحديدا في التفسير أو الفقه، ولكن تحقيق ذلك كان يتطلب تحمل تكاليف مالية لا قبل لي بها، لذلك قبلت العمل في بنك كمحطة للحصول على المال الذي يؤهلني لدراسة الشريعة، وعندما أوفر المال المطلوب سوف أعاود الدراسة لتحقيق حلمي القديم. من الطب إلى الكمبيوتر يقول محمد ناصر القرني: التحول بدأ من الإجازات، فقد كنت حريصا على اكتساب المهارات، والاستفادة من الوقت في العمل وتحصيل المال، ومع مرور الوقت سرقتني تجربة العمل في المصنع من طموح الصبا والحلم بأن أكون طبيب أطفال. في مرحلة الصبا تألمت من صعوبة ظروف والدي المالية، حيث كنت أرى الهم يعتلي وجه والدي حينما يمرض أخي الصغير الذي كان كثير المرض وتوفي بعد ذلك، هذا الهم جعلني أفكر في اختيار الطب وخططت لكي أكون طبيب أطفال، وواصلت السهر واجتهدت لتحقيق الطموح وبالفعل التحقت بكلية الطب، ودرست عاما كاملا إلا أنني توقفت، حيث بدأت فصول القصة عندما وفقت للعمل في مصنع خلال الصيفية حيث أجيد التعامل مع الحاسوب، ما ساعدني على العمل كموظف استقبال في البداية، وعندما حدثت مشكلة في جهاز مدير عام المصنع وعجز الطاقم الفني عن معالجتها نجحت في علاجها خلال دقائق، ومن هنا كانت النقلة في حياتي، فقرر المدير أن ينقلني للعمل في مكتبه، ثم بدأ المصنع يستعين بي في حل مشاكل الحاسب، وبعد انتهاء الصيفية قررت العودة إلى الجامعة، والعمل معهم كمتعاون بمكافأة. ولكن طلب المدير العام الاستمرار معهم على أن يتيح لي فرصة الدراسة على حساب المصنع شريطة أن تكون الدراسة في التخصص الذي يحتاج إليه العمل، لم أرفض وقبلت العمل ثم اقترح المدير فكرة الابتعاث إلى بريطانيا لدراسة الحاسب واللغة الإنجليزية، ووعدني بمنصب مرموق وراتب مجز بعد العودة، بعد تفكير وافقت وابتعثت لدراسة الحاسب، وعدت بعد خمسة أعوام مؤهلا تأهيلا جيدا وعينت في وظيفة جيدة (رئيس قسم صيانة الحاسب والإنتاج) وبمرتب لم أحلم به، وأمضيت أربعة عشر عاما ولا زلت في هذه المهنة التي وضعتها الظروف أمامي، فقد فتحت أمامي مجال المعرفة في الحاسب الآلي وأضافت في ثقافتي وأسلوب حياتي من خلال إتاحت فرصة السفر إلى الكثير من بلدان العالم.