إن كان ثمة من يوم للوطن، فلا يعني هذا خلو بقية أيام العمر والدهر من الوطن. ثمة أشياء لا تدخل فيها حسابات الزمن ولا تنتهي. عيد الوطن والأم والمعلم والأرض. هي ليست صلوات تؤدى وتنقضي بانقضاء أوقاتها، ولا حسابات يتم تسديدها والفكاك منها. هي ليست سوى الحياة إن أطلقت، والحياة إن قصرت أيضا. الوطن.. أمر لا يقبل التجزئة، لا الزمانية منها ولا المكانية، فكما أنه لا يمكن أن يقال: هذا الشبر للوطن، وهذا لغيره، ولا يمكن أن يتخيل أن يكون جزء من أرضه اليوم، هو جزء من محتله غدا، فإنه أيضا لا يمكن القول أن هذه الساعة للوطن، وهذه لغيره، هذا اليوم وطني، وذاك اليوم ليس بذاك. وطننا.. فوق حسابات المساومة والتجزئة والتقسيم، وإلا لتحول الأمر إلى تجارة وبيع وشراء، وهي أمور خارجة عن حدود الوطن، داخلة في متاهات الخيانة. اليوم الوطني أيضا أكبر من رقصة عابرة، أو أغنية وطنية بصوت مختنق، أو مراهق يلطخ سيارته بلون علم البلاد، أو فتاة تمكيج وجهها بنفس اللون. اليوم الوطني.. أن نتذكر «مليار» ينثال إلى أرصدة محتاجي هذا الوطن، أن نترقب دخول وطننا إلى العالمية الأولى عبر بوابة نقش عليها: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، أن نلتحم مواجهين لزارعي الفتن، وأن نردد سؤالا على هيئة: ماذا قدمنا لهذا الوطن. اليوم الوطني.. تهيئة جديدة، دفعة هواء، شهيق متصل للركض في سياجات الوطن، في بنائه، في تنميته، في تأسيسه وتشييده من جديد كلما وهن جزء منه واهترأ. حين يحددون للوطن يوما، وللأم كذلك، ولأساسات حيواتنا وبقائنا، هم لا يعنون أكثر من أن نخبر أنفسنا بما أنجزنا في الأيام الماضية تجاه هذا الأمر وبما لم ننجز، بما قدمنا وبما لم نقدم، بما أسدينا وبما قصرنا. وبعد ذاك، نضع أجندات أكبر لعمل أوفر وبناء مستمر صاعد وخلاق. أبدا، لا ينبغي أن يأخذ الناشئة اليوم الوطني على كونه يوم إجازة دراسية مؤقتة، وعلى كونه موسم «تفحيط» على أزقته، ورقصا في شوارعه، وأغاني بجوار أسواقه، وصورا تعلق، وأعلاما تشترى، ومن ثم ينقضي ليل ذاك النهار الوطني، وتنقضي معه أحلام الوطنية، ودوافعها، ومراداتها. إن هذا التعلق الصوري، هو من يخلق مجتمعات هابطة من ناحية الوعي الوطني، مجتمعات قد تبكي على فقدان هدف مباراة ودية، أكثر من أن تنشغل بسقوط أخلاق مدينة كاملة منه. هذه المجتمعات، مجتمعات الزيف الوطني، والهوية المزورة، والمدن المبنية على الرياء. تخلق شعوبا لا يربطها بالفرح والانتماء الوطني سوى الموسم، والموضة، وطلب السوق والجمهور. التعلق الصوري، يكثر في البلدان التي تهتم برفع أعلامها في 24 ساعة وطنية فقط، أكثر مما تهتم برفع القاذورات من شوارعها، لتبرهن شموخ أعلامها بقلوبهم. تهتم بالتعليق اللحظي لصور رموزها أكثر مما تهتم في تسيير أمور محتاجيها وقاصديها. تنفق كثيرا على أغنية وطنية، وتنسى شاطئا ملوثا مثلا. هذه الوطنية التي لا تريد سوى نشوة اللحظة، سكرة الفكرة المؤقتة، ومن ثم ينام الوطن بعيدا عن أحلام وأعلام بنيه. نريد اليوم الوطني دروسا رفيعة في كيفية تنمية مرافق الوطن، في كيفية التعبئة العامة لبنيه على حبه، والنصح له، والدفاع عنه... وتفتح الباب لثقافة التطوع النامية، لفتح أكبر قدر ممكن من العطاء للوطن من الوطن نفسه. نريد شوارع الوطن مجلوة هذا الصباح. نريد بائسيه فرحين في هذا اليوم، نريد مرضاه حاصلين على علاجاتهم بيسر وسهولة ورضا. نريد سائقيه لا يقطعون إشارات مروره، ولا يخالفون لوائح عبوره. نريد معلميه متسلحين بقدر أكبر من العلم والرؤية الصحيحة، لإنضاج جيل قادر على المواكبة، في شتى الفروع والمجالات. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة