** الحديث عن جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية يقودنا إلى تاريخ وحاضر ومستقبل العلوم التي هجرت بلاد المسلمين، واتجهت إلى الغرب الذي رعاها وطورها وبنى عليها بعد أن كنا كعرب ومسلمين أصحاب الريادة فيها حيث قدمنا للعالم حضارة وعلوما جعلت من العواصم الإسلامية قبلة لطالبي العلم الغربيين التي كانت أوطانهم ترزح تحت وطأة الجهل والتأخر .. لدرجة أن شارلمان ملك فرنسا خاف من الساعة التي أهداها له هارون الرشيد وظن أن هذا الاختراع الإسلامي عفريت من الجن .. وكان لنا كمسلمين قصب السبق في نشأة العديد من العلوم والنظريات العلمية التي لازال علماء الغرب يعتمدون عليها حتى اليوم في فروع الطب والهندسة والفيزياء والجبر والرياضيات وعلوم الفلك والمناخ، وبرزت في سماء العلم أسماء لعلماء مسلمين ومنهم ابن سيناء، والخوارزمي، وجابر بن حيان والرازي وابن الهيثم وغيرهم ممن يضيق حيز هذا المقال عن ذكرهم وتفصيل مساهماتهم في المعرفة والعلم. لقد فقدنا الريادة العلمية من حيث انتاج المعرفة، وأصبحنا نعيش حاضرنا كمتلقين لما يردنا من الغرب، وأصبح تعليمنا العالي سواء في أوطاننا أو في خارجها مجرد تخصصات وتدريبات وشهادات تجيز لكل متخصص ممارسة مادرسه وبرع فيه، وذلك لايعني أننا تقوقعنا على أنفسنا ولم نقدم لأوطاننا ثمرة ما تعلمناه، بل ساهمنا بجهدنا في نهضة بلداننا وتقدمها دون أن نصنع المعرفة نفسها كما فعل أجدادنا في عصور النهضة الإسلامية. وتأتي اليوم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والتي فكر فيها ووضع أساسها وتابع مراحل إعدادها ونشأتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتلبي حاجة ماسة للوطن والأمة لإنتاج المعرفة بدلا من استيرادها، فالتعليم العالي في عالمنا العربي والإسلامي في حاجة كبيرة لمثل هذه الجامعة التي تهتم بالبحث العلمي في مجالات هامة جدا فمن التقنية المتناهية الصغر ( النانو) إلى التقنية الحيوية هناك علوم كثيرة سوف يدهش العالم باكتشافها في هذه الجامعة لتغير مفاهيم عديدة في عالم الاقتصاد والهندسة والطب قد تغير أسلوب الحياة على كوكبنا فهنالك الكثير من السعة في متناهيات الصغر. إن اهتمام جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بتخصصات مهمة جدا في الحياة البشرية سوف يجعلها تمتلك تقنيتها ومن يمتلك مثل هذه التقنية سيسود بالعلم ويسيطر بالمعرفة وسيقدم للبشرية الكثير من الحلول لمشكلاتها الصحية والبيئية والاقتصادية ليساهم في رفاهية الإنسان على هذا الكوكب. لقد اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بهذه الجامعة وبهذه التخصصات العلمية الهامة وبهذا الطراز العالمي من التعليم الذي يتعامل مع الإنسان الباحث بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو جنسه، لقد اهتم الملك بذلك انطلاقا من تفهمه العميق حفظه الله لحاجة الإنسانية لإنتاج المعرفة وهذا سيقودنا كما ذكرت في ثنايا مقالي هذا إلى أن تكون بلادنا المملكة العربية السعودية من الدول المنتجة للمعرفة فيعود للمسلمين مجدهم حيث سادوا العالم بما قدموه للبشرية من علوم واكتشافات ساهمت في نهضة عالم اليوم. إن جامعة الملك عبدالله للتقنية وهي أحدث مؤسسة علمية عالمية ستكون بإذن الله النموذج الجاهز للنهضة العلمية والتقدم في البحث العلمي، فهي بما تمتلكه من إمكانيات مادية وبشرية وتخصصات دقيقة تعتبر استراتيجية متكاملة لإنتاج العلم والمعرفة، وهي أول جامعة أنشئت ليس لتوفير المزيد من المقاعد الدراسية الجامعية والتخصصات العلمية وإنما لتكون معقلا علميا لإنتاج المعرفة حيث حرص الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله على أن تهتم هذه الجامعة بنوعية التعليم والمصادر البشرية المنتجة، لما توفر لها من بيئة علمية أساسية ومناخ صاف للبحث المعرفي. وأخيرا.. فإن هذه الجامعة الفتية هي نتاج إحساس الملك بحاجة أمته فترجم بحكمته الطموحات والتطلعات إلى انجازات وكانت بتوفيق الله سبحانه وتعالى هذه الجامعة التي ستشد إليها الرحال لطلب العلم والمعرفة.