سبعون عاما مضت على صدور «الكتاب الأبيض»، فقد توصل وزير المستعمرات البريطاني آنذاك، وبعد جملة من التطورات، أهمها انطلاق مجموعة من الثورات الفلسطينية في وجه الانتداب والوجود الصهيوني، إلى صيغة كتاب جديد تحدد سياسة بريطانيا بخصوص أرض فلسطين، لم يكن هذا الكتاب سوى تعبيرا عن أزمة الخيارات التي عاشتها بريطانيا في ظل اشتداد الرفض الفلسطيني لما تكرسه على الأرض. تطرق الكتاب إلى جملة من القضايا، أهمها الهجرة اليهودية، ونقل الأراضي، والكيان السياسي المتوقع تأسيسه حال انتهاء ما عرف بالانتداب البريطاني. شكل هذا الكتاب حينها مفترق طرق للعصابات الصهيونية، فقد تحولت بريطانيا من الأم الرؤوم إلى العدو اللدود بين ليلة وضحاها. استشاط وايزمان غضبا من صديقه ماكدونالد، واستهدفت عصاباته مقار الانتداب في فلسطين. أبرز ما أثار رموز الصهيونية آنذاك، هو وعد بريطاني رأوه جب ما سبقه (بلفور)، حين نفت بريطانيا نيتها إقامة دولة يهودية، وأكدت ضرورة إقامة دولة فلسطينية خلال عشر سنوات. رغم غضب الصهيونية، واعتبار البعض لمثل هذا الكتاب تطورا سياسيا لموقف بريطانيا، إلا أن الشق الثاني من القرار المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية، هو ما دفعنا للتذكير بهذا الكتاب، ومحاولة الانطلاق منه لتوضيح التشابه، بل التطابق بين كل أطروحات إقامة الدولة الفلسطينية من قبل القوى المسيطرة في العالم، أو من يتبنى مواقفها. الشق الثاني، ووفقا لماكدونالد: أن يصبح الفلسطيني قادرا على حكم نفسه بنفسه، هو شرط إقامة الدولة وإنهاء الانتداب، مع نقاط أخرى تتعلق بضمان مشاركة اليهود وحفظ حقوقهم. بمعنى أن مقبولية فكرة إقامة دولة فلسطينية مشروطة بنضوج الفلسطيني، منطق كهذا؛ يعني أن المفقود هو المواطن الفلسطيني وليس الوطن، وهذا حق لا يمكن إنكاره، فلسفيا على أقل تقدير، إذ أن غياب الكيان السياسي لا يعني فقدان الوطن، وإنما فقدان المواطن القادر على حماية أو بناء كيانه السياسي، لكن مغزى هذا الطرح البريطاني باطل دون شك.