أن ننام ملء جفوننا أن لا يطرق الخوف قلبي وقلبك، أن لا أخشى على ولدي وأمي فهما في حفظ الرحمن بين أركان بيت هادئ، وفي حنايا وطن لم نسمع في سمائه زئير نفاثة غاضبة يوما، أو حفيف دبابة مرعبة، أو طلقة رصاصة خائنة!! وإن كان قد تنامى لمسامعنا يوما، وهُدم منزلان ونصف بصورايخ طائشة تبقى جزءا من مشاهد بالية. لحظات في عمر الزمان لا تذكر، وإن شئت فاسأل ذاكرة الوطن!! أن نكون آمنين في أوطاننا معناها أن ألمح في عين أبي ذكريات الصبا وهي تحكي برضا، لتتجلى قيمتها حين يوصيني مبتسما أن لا يدفن سوى هنا، ويقسم عليّ أن أوصل الرسالة لأبنائي وأحفادي من بعدي، فقد عشق الأرض حيا وميتا!! أن نكون آمنين في أوطاننا معناها أن لا أخشى أن أمشي في شارع ليلا، أو أن يوقفني غريب يطلب المساعدة أو استفسار لأموت ألف مرة ما بين شكي ويقيني!! أن أقود سيارتي وأجوب المدينة قبل منتصف الليل وبعده وأرى الناس في كل مكان يزاولون مهنة الحياة دون هلع.. أن أنام وبابي مفتوح غير مكترث.. ونافذتي لا أوصدها بألف قفل خشية من يسقط عليّ من السماء فجأة!! أن ينثر الفجر نوره وأستيقظ على صوت العصافير تغرد والأبواب تفتح في هدوء والخطوات تمضي لطريقها إلى المسجد في سكونٍ ووقار.. أن أمشي إلى مسجد الحي البسيط لصلاة الفجر وأنا أتأمل الوجوه والبيوت الهادئة المستكينة مع نسمات الفجر العليلة وقد نامت المدينة ليلتها في سكينة، وأعود لمنزلي بعدها وأنا لا أخاف أن أستيقظ على فاجعة!! أن نذهب لعملنا في الصباح الباكر ما بين باسم وعابس وحانقٍ على الطرق والمطبات والإشارات الطويلة والميادين المملة المزدحمة صباح مساء.. وقد أنشغل كل بأجندته وهواجسه الشخصية بلا هلع من مجاعة أو وباء أو فقر أو صاروخ يسقط على رؤوسنا.. أو بيت ودعناه وقد لا نعود إليه أبدا لأنه أصبح ترابا. أن نكون آمنين في أوطاننا معناها أن لا نخشى اختفاء قريب أو ضياع ابن أو أخ على يد البوليس السري الذي زارنا بالأمس وأخذ القبيلة بأسرها بتهمة الاشتباه في فرد منا!! في بلادي لا يزورنا البوليس السري ولا يطرق الباب ليلا.. في بلادي لا يوجد (مايكروفون) تحت كل مقعد وطاولة وسجادة، ولا يوجد كاميرا في كل زاوية ومخبر في كل شارع!! أنعم، أن نكون آمنين في أوطاننا معناها أن نحلم بغد أكثر أمانا بصوت عالٍ، إنه العشق اللامتناهي والنقد البناء الذي لا يغفل نواقصنا، لكن يعرف قيمة ما نملك من أجل وطن يصون أبناءنا من بعدنا.. أن نكون آمنين في أوطاننا معناها أن أقابل المسؤول في بيته وفي مكتبه، وأن أذهب للعشاء على مائدته دون أن أقدم تقريرا مكتوبا عن نفسي وعن أسرتي منذ يوم المنشأ.. أن أقابل ملك البلاد في مجلسه وأصافحه دون أن يعترض طريقي أحد، ودون أن اتهم بالجنون أو بالكفر والخروج عن الملة لأني من عامة الشعب.. في بلادي هو حق مكفول لكل فرد..