اكتفى العم محمد عبد الله قشقري البخاري، أقدم نزيل في دار الرعاية الاجتماعية في مكةالمكرمة، بابتسامة غامضة للرد على محاولاتنا للغوص في أعماقة، وكشف ما يحتفظ به من ذكريات منذ دخوله الدار قبل 42 سنة . فالبخاري البالغ من العمر 80 عاما، من مواليد الطائف، يقاوم الشيخوخة وأمراضا عضوية ونفسية مزمنة يعاني منها منذ وقت طويل. وهو كثير الخروج إلى فناء الدار، رافضا الاستسلام للسرير. وبطبيعة الحال لا تمكنه ظروفه الصحية من صيام شهر رمضان، مثله مثل 47 نزيلا و 43 نزيلة آخرين في أقدم دار لرعاية المسنين على مستوى المملكة. وفي المقابل يصوم الشهر الفضيل 12 نزيلا وعشر نزيلات منهم ستة - أربعة رجال وسيدتان - يصومون لأول مرة في الدار. ورغم الصخب الذي تشهده شوارع مكةالمكرمة مع دخول شهر رمضان وتوافد مئات الآلاف من داخل المملكة وخارجها لأداء العمرة، يطبق على الدار صمت تقطعه بين الحين والآخر آهات النزلاء الذين ترك الدهر بصمات واضحة على أجسادهم الناحلة. وللكثيرين منهم قصص عن عقوق أبناء تدمي القلب. وفي غرف مكيفة الهواء يبدو أن النوم سلاحهم الفعال لمواجهة الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه، بينما يتراكض حولهم العمال الآسيويون لتقديم الطعام والدواء لهم وتغيير ملابسهم. مدير الدار عبيد الله المسعودي حدثنا عن الرعاية التي يوفرونها للنزلاء مبينا أن خطة شهر رمضان تقضي بمساعدة عشرة نزلاء على أداء العمرة. وتقديم إفطار جماعي كل عشرة أيام على أن يشتمل على أكلات شعبية لتحفيز ذاكرة ماضيهم الجميل. وتنفذ الدار مشروعا لدفع كفارات غير القادرين على الصيام بتقديم 425 وجبة لإطعام الفقراء والمساكين بقيمة الفين و550 ريالا تستقطع بواقع ريالين يوميا من المخصصات المالية التى تودعها وزارة الشؤون الاجتماعية في حساب النزيل، حسب فتوى لمفتي المملكة السابق الشيخ عبد العزيز بن باز. ولتفعيل دور المجتمع في رعاية نزلاء الدار قدمت مديرة الإشراف الاجتماعي في منطقة مكةالمكرمة نورة آل الشيخ عدة مقترحات تتضمن مرافقتهم إلى الحرم المكي للصلاة فيه، وتوفير أكلات شعبية يحبونها على أن تكون مناسبة لظروفهم الخاصة، متوازنة صحيا وسهلة المضغ والبلع. وإعداد القهوة العربية أمامهم لإيقاظ مشاعرهم الدفينة. وتنظيم المسامرات إضافة إلى تشجيع الصغار على زيارتهم وتقديم الهدايا لهم.