التاريخ لا ينسى ولا يتخطى «فعايل» و «مواقف» رجاله المرموقين. ومن كان له «شنة» و «رنة» مثل فقيدنا المرحوم الشيخ عمر عبدربه الذي تولى في زمن مضى مسؤولية بيت المال في جدة بكل اقتدار، والذي ودعته مدينة جدة كرمز من رموز الوطن وواحد من أبرز وجهائها وإعلاميها المميزين لا يمكن أن يغطيه الزمان برماد النسيان رغم غيابه عن الساحة الثقافية منذ بضع سنوات لعامل المرض، الذي لازم تقدمه بالعمر حتى قارب المائة عام.. لأن بصماته تظل محفورة في أعماق معاصريه وعارفي فضله، بل ومدونة أيضا في نسيجنا الثقافي. كيف لا وهو من حفظ المفردة الشعبية التي ظلت متوهجة في شعره الذي عرفت باسم «عمريات» فيما مضى من الوقت ثم «بلديات» التي تواصل في نشرها أسبوعيا في عكاظ.. ذلك النمط الشعري الذي لا يتميز به سوى قلائل من الشعراء أمثال صديق عمره الأستاذ أحمد قنديل وصالح جلال وعبد الرحمن حجازي وجيل آخر تبعه مثل عبد الوهاب أبو زنادة وعبد العزيز النجيمي.. لكن الأميز في اللون الشعري الذي عرف به شيخنا الفقيد وجيل آخر تبعه هو أنه كان عبارة عن مرصد متحرك ولاقط لقضايانا الاجتماعية المستجدة حيث كان يلامسها ويحولها بإبراز إلى لوحة شعرية متوشحة بالصور الشعرية المشرقة فتتجلى المفردة الحجازية التي تتردد على ألسنة الناطقين باللهجة الجداوية بطريقة تجبرنا على القراءة والمتابعة. وبقدر ما كان فقيدنا المرحوم ملما بأدوات شعره النمطي.. إلا أن شخصيته الكاريزمية كانت تتمتع بالمرح والبساطة والسلاسة بطريقة محببة للنفس، أكثر ما يجليها روح تنم عن الأريحية والطيبة وحب فعل الخير وتقديم البر والإحسان.. وهو ما كان يفعله ويكرس وقته له من أجل إصلاح البين بين الناس ومساعيه الخيرة لفض المنازعات عند قاصديه.. كما أنني أعرف ذلك بحكم تواصلي القائم بيني وبينه حتى ما قبل فترة مرضه وانعزاله عن مقابلة محبيه.. وذلك عندما كنت مسؤولا في هذه الجريدة ومشرفا على باب «خاتم سليمان» و «نحن معك» فكان لا يبخل ولا يضن بشيء فيه نفع وسد لحاجة معوز ومعسر.. رحم الله فقيدنا الغالي.. فقد كان أبا وأستاذا ومحبا لنا جميعا.. وعوض الوطن بالكثير من أمثاله و «إنا لله وإنا إليه راجعون».