ينطلق، اليوم، مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، بتنظيم مشترك من وزارة المالية وصندوق النقد الدولي، ويُعقد على مدار يومين في قاعة مرايا بمحافظة العُلا. ويعد المؤتمر منصة عالمية بارزة تهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسواق الناشئة، خصوصاً في ظل التحولات الهيكلية للاقتصاد العالمي، إذ يجمع الحدث نخبة من صنّاع القرار، والشخصيات الاقتصادية، والخبراء من مختلف أنحاء العالم لمناقشة سبل دعم النمو الاقتصادي وتعزيز المرونة المالية في الأسواق الناشئة. ويتناول المؤتمر محاور رئيسية عدة، تشمل السياسات النقدية والمالية، إدارة الديون السيادية، ودور التقنية والذكاء الاصطناعي في دعم التنمية الاقتصادية، إضافة إلى استعراض الفرص المتاحة لتعزيز تنافسية اقتصادات الأسواق الناشئة، كما يسلط الضوء على أهمية الشراكة الدولية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي المستدام. ويأتي انعقاد المؤتمر تأكيداً للدور البارز للمملكة العربية السعودية في دعم اقتصادات المنطقة، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، في إطار الشراكة الوثيقة مع صندوق النقد الدولي. لماذا ندعم الاقتصادات الناشئة؟ د. علي محمد الحازمي تقود المملكة مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة الذي تستضيفه وتنظمه بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لتعزيز التعاون متعدد الأطراف لمعالجة التحديات التي تواجه هذه الاقتصادات، مثل تباطؤ النمو، وارتفاع مستويات الدين العام، وغيرها من القضايا الاقتصادية التي تؤرق تلك الدول وتحد من نموها الاقتصادي. ينظر العالم اليوم للمملكة كمركز اقتصادي محوري في المجتمع الدولي، كونها لاعباً مهماً في تشكيل السياسات الاقتصادية العالمية. أثبتت المملكة من خلال مشاركتها في القمم الاقتصادية مثل قمة مجموعة العشرين (G20)، واجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التي تترأسها المملكة، وغيرها من الفعاليات التزامها بمسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي لتعزيز التعاون العالمي لمواجهة التحديات التي تعصف بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك الأزمات المالية. استطاعت المملكة القيام بدور مهم في دعم تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمات الاقتصادية، واستحوذت من خلال مشاركاتها الدولية على أهمية استثنائية، ودائماً ما يعول المراقبون عليها الإسهام الفاعل في دعم الاقتصاد العالمي والمضي به إلى الاستقرار الذي تنشده جميع الدول. تتزايد أهمية المملكة كونها مصدراً للطاقة العالمية التي تعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي. علاوة على ذلك، ارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على بقية دول العالم، يجعل السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصادها فقط، إنما لها تأثير واضح وواسع على المستوى الدولي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها في التجارة العالمية بشكل مباشر وغير مباشر. على الدوام تتخذ المملكة مواقف معتدلة في قراراتها الاقتصادية التي تبنتها خلال سنوات التنمية الشاملة، وتلتزم في أداء دور فاعل وإيجابي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، ما يؤكد دورها المهم والفاعل في صياغة نظام اقتصادي عالمي يحقق نمواً اقتصادياً عالمياً متوازناً ومستداماً يحافظ على مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وهذا ما يؤكده مسؤولو صندوق النقد الدولي والمنظمات الأممية المعنية بالاقتصاد والتنمية باضطلاع المملكة بدور أساسي في نجاح برامج صندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى مع دول المنطقة، كونها «أي المملكة» من الدول التي تساهم في تمويل الدول النامية في شراكة مع الصندوق، ودائماً ما يتم استشارتها في مجال تطوير القدرات في المنطقة للبلدان التي تحتاج إلى بناء مؤسسات فاعلة. يشكل مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة الذي تستضيفه المملكة وتنظمه بالتعاون مع صندوق النقد الدولي نقطة انطلاق جديدة نحو مستقبل أفضل للدول الناشئة التي تريد -بالفعل- تحسين أدائها الاقتصادي عبر سياسات مالية مستدامة. وحتى تتضح الرؤية، المؤتمر سيكون داعماً للدول النامية من خلال مناقشة الأطر الحديثة والفاعلة للسياسات المالية والاقتصادية التي نجحت في بعض الدول وحققت نتائج ملموسة أثرت على التنمية المستدامة في هذه البلدان. إن عرض التجارب الناجحة ومناقشة سلبيات التجارب التي لم تصل بهذه المجتمعات إلى النتائج المرجوة سيكون فرصة سانحة للراغبين في التغيير ومواكبة المستجدات والتعامل بواقعية مع ظروفها وتطورات الاقتصاد العالمي. سيكون هذا المؤتمر بالنسبة للكثير من الدول بمثابة الاستثمار في المستقبل، حيث تتطلع المملكة وصندوق النقد الدولي إلى تغيير سياسات ومنهجيات العمل الاقتصادي والمالي في الدول التي تحتاج إلى ذلك حتى تصبح شريكاً أكثر فعالية في الاقتصاد العالمي الذي سيزدهر وتزدهر معه الأمم والدول ويقطف الجميع ثمار هذا التعاون المثمر الذي يعد بمثابة النظر إلى الأمام ببصيرة واضحة لما يجب فعله وما يجب التوقف عن فعله. هناك عوائد كبيرة سيجنيها العالم من وراء دعم اقتصادات الأسواق الناشئة، وهذا ما أثبتته بعض الدراسات التي تؤكد أن الأسواق الناشئة الكبرى ستلعب دوراً كبيراً في تغيير أوجه الاقتصاد العالمية وتغيير ديناميكياته، وأن كل سوق ناشئة كبيرة لها أهميتها الفردية، ولكن التأثير المشترك لمجموعة تلك الاقتصادات سيكون له تأثير حتمي وحاسم على تعافي ونمو الاقتصاد العالمي. يُعد تقليص المخاطر، التي تحيط بالنمو الاقتصادي غير المستدام التي قد تنشأ من دخول مستثمري الأسواق المتقدمة للاستفادة من فرص وقتية أو كما يطلق عليها الأموال الساخنة، كفروقات العملة، ونسب الفائدة ثم التخارج من أول هزة مما يتسببون في حدوث الأزمات والصدمات جزءاً لا يتجزأ من عوائد دعم الاقتصادات الناشئة. وهنا لا بد من بيان، أهمية مثل مثل مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، في كيفية إيجاد الحلول العملية في تخفيف تأثير ديون الاقتصادات الناشئة على نمو الاقتصاد العالمي، ووضع سياسات تقلل من تأثير خروج الأموال الساخنة من أسواقها، ومساعدتها للخروج من بين مطرقة بطء النمو وسندان تشديد الائتمان، اللذين يزيدان القيود على قطاعها الخاص. ومن هذا المبدأ، فإن تقليل حالات التخلف عن سداد الديون السيادية لتلك الدول، التي وصلت لمستويات مقلقة زادت معها حالات خفض التصنيفات الائتمانية في هذه الاقتصادات، واحد من الأجندة التي ستكون مطروحة في مؤتمر العلا.