دعونا اليوم نستخدم «مدخلاً» (Approach) منظماً مبسطاً للإلمام الأولي جداً بما يجري من أحداث ووقائع سياسية جسام في منطقتنا العربية المضطربة، والمبتلاة بعدم الاستقرار المزمن، بسبب «عوامل» تكاد أن تكون معروفة للعامة، قبل الخاصة. ومنطقتنا – ولا فخر – هي الآن – وبامتياز – أكثر مناطق العالم اضطراباً وعدم استقرار وتخبطاً. وما في المنطقة من ضعف وتخلف وتشرذم، يرد – عادة – إلى العاملين الرئيسين: العامل الذاتي (الداخلي) وأبرز عناصره ومكوناته السلبية هي: سوء تفسير الدين الإسلامي الحنيف، المذهبية المتطرفة، الطائفية الإقصائية، الاستبداد… إلخ. أما العامل الخارجي، فيتركز في: عداء التحالف الصهيوني – الإمبريالي لهذه الأمة، وسعي هذا التحالف لتقويض العروبة والإسلام، بدءا من عقر دارهما. وهناك، ولا شك، «تداخل» وثيق بين العاملين الداخلي والخارجي. ولولا الوضع الداخلي العربي الرديء، لما تمكن العامل الخارجي من تحقيق أغلب مآربه السلبية في الأرض العربية والإسلامية. فالعامل الخارجي نجح (أيما نجاح) في «تسخير» الوضع الداخلي (بكل معطياته) لخدمة أغراض القوى الخارجية، وتحقيق أهدافها – الواحد تلو الآخر – بسهولة قياسية. بل إن كثيرا من الأهداف الخارجية الضارة تحققت «بيد المعنيين، لا بيد عمرو»…؟! ** للتبسيط فقط، دعونا نقول: إن في المنطقة العربية الآن تياران متنافسان.. الأول إيجابي (من وجهة نظر المصالح العليا العربية والإسلامية الصحيحة) يهدف إلى: العمل على استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة على أسس صحيحة وصلبة، عمادها الحرية والعدالة والمساواة والشورى والتكافل الاجتماعي.. إنه تيار يريد لهذه الأمة أن تعيش حرة كريمة مستقلة، في أرضها، وأن تتمتع بحقوقها المشروعة، وبإمكاناتها الطبيعية والبشرية، بما يحقق لها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، ويجعلها أمة عزيزة تحظى بمكانة مرموقة بين أمم الأرض المعاصرة. ويمكن أن نرمز لهذا التيار بالرمز «س».. ونقول إنه يتكون من: غالبية الشعوب العربية، وثلة من النخب العربية المفكرة والمخلصة، وقلة قليلة جدا، ومحدودة، من القيادات المستنيرة. أما التيار المضاد للتيار «س»، فيمكن أن نرمز له بالرمز «ص».. وهدفه الرئيس سلبي (بالنسبة للمصلحة العليا العربية والإسلامية).. لأنه – ببساطة شديدة – مناقض ومناوئ لكل ما يهدف إليه التيار «س»؛ فالتيار «ص» يعمل على: زعزعة أمن واستقرار المنطقة، أو ضمان «استقرارها» على «الأسس» التي تخدم مصالحه، والحيلولة بينها وبين التمتع بالمبادئ الخمسة المبجلة إنسانياً وعالمياً، وهى: الحرية، العدالة، المساواة، الشورى، التكافل الاجتماعي، حتى لا تنهض وتقوى؛ ليسهل إخضاعها واستغلالها، عبر الهيمنة الكاملة عليها. التيار «ص» لا يريد لهذه الأمة أن تعيش حرة كريمة مستقلة، في أرضها، ويعمل على استغلال إمكاناتها لصالحه، عبر إضعافها. وأفضل وسائل إضعافها (في حسابات «ص») هي: تخبطها الفكري والعقائدي، وتقسيمها وشرذمتها، وخلق كيانات ودويلات مهترئة ومتهالكة منها، وعلى أسس طائفية ومذهبية ومصلحية خاصة. ويتكون التيار «ص» من: التحالف الصهيوني – الاستعماري، وأذنابه، ووكلائه، والمتعاونين معه (دول وجماعات وأفراد). ** وهكذا، نرى أن التيار «ص» مضاد ومعاكس للتيار «س»؛ ولذا، نشأ هذا الصراع الحاد (الظاهر والخفي) بين التيارين. إن معظم ما يحدث في المنطقة من نزاعات وحروب ما هي إلا من المعارك الدائرة ضمن الحرب الشعواء بين التيارين «س» و»ص». وهذا الصراع المحتدم يمكن أن يرى بالعين المجردة، وأحيانا لابد من «مايكروسكوب» لرؤيته. ولكنه – في كل الأحوال – صراع مرئي ومسموع ومقروء في أغلب مراحله، وعمره الآن لا يقل عن مائة عام. إن العربي المسلم يميل كل الميل – بالطبع – مع التيار «س»، ويتمنى له التمكين والنصر. ولكن، يؤسفنا أن نعترف بأن نتيجة هذا الصراع حتى الآن (سبتمبر 2014 م) تميل – بشدة – لصالح «ص»؛ لأن «س» ما زال ضعيفاً ومتخبطاً ومحارَباً ومحاصَراً، بينما «ص» أقوى مادياً – وبكثير – على الساحتين الإقليمية والعالمية، بل ومعظم الساحة المحلية في أغلب بلاد «س». ولكن هذه الحرب (المكونة من عدة معارك) لم تحسم نهائياً بعد… فما زال هناك بصيص أمل خافت أمام «س».