ما إن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية حتى وجد قادة الثورة الإيرانية أنفسهم أمام مأزق كبير، فقد قاموا بتجريف المؤسسة العسكرية وقتل ومطاردة قادتها كونهم خدموا النظام البهلوي السابق، كما أن الخطاب الشعبوي العدائي الذي تبناه النظام الجديد الموجه ضد الغرب، دفع الغرب لفرض حظر الأسلحة وقطع الغيار على إيران الثورة، وهنا جاء مأزق النظام المتخبط الذي لم يكن قادراً على توفير قطع غيار لأسلحته - في خضم حرب وجود - التي صدئت في مخازنها وفي مرابضها. لقد كانت خطة أمريكية غربية جديدة للتأني في التعامل مع النظام الجديد لفهمه ومعرفة أبعاد سياساته، وكذلك لإعادة التحكم والسيطرة على تصرفاته. وجد النظام الإيراني أنه أمام مأزق كبير، فالحرب على الجبهة العراقية مشتعلة والجيش العراقي يصل إلى عبدان وسط الأحواز، ومخازن السلاح الإيرانية تتآكل والقدرة على تشغيلها متعذرة لعدم توفر الأطقم ولا قطع الغيار. كان الحل هو فتح قنوات اتصال سرية خارج الدعاية المعادية لأمريكا والغرب، لينتج عن ذلك ما سمي لاحقاً «فضيحة إيران غيت»، وهي عبارة سيناريو متكرر لليوم. تشكلت العملية السرية من عملية مخابراتية وتجارية معقدة أطرافها «إيران - أمريكا - إسرائيل - شركات وأفراد غربيون - وحزب الله في لبنان»، قامت إثرها الإدارة الأمريكية ببيع الأسلحة وقطع غيار إلى إيران التي كانت بأمس الحاجة إليها، مقابل استخدام نفوذها لإطلاق سراح مواطنين أمريكيين كانوا قد خطفوا وأخذوا كرهائن في لبنان من قبل مليشيات شيعية موالية لإيران - حزب الله. اليوم يتكرر المشهد مرة أخرى مؤكداً أن ما تسمعه عبر الميكرفونات وشاشات التلفزيونات مختلف تماماً عن العلاقات السرية الحقيقية، حتى بين الأطراف التي تظهر الحرب على بعضها البعض. فضيحة صفقة «بيجر غيت» لا تختلف عن «إيران غيت» أبداً، وإن كانت نموذجاً أصغر، أطرافه «إيران - حزب الله - إسرائيل - أفراد غربيون». لكنها تؤكد أن لا إيران ولا حزب الله لديهما حساسية من شراء التقنيات والأسلحة من إسرائيل مباشرة أو من خلال وسطاء غربيين يعملون مع إسرائيل، فعدو الحزب وصانعوه في نهاية الأمر ليس تل أبيب بل العواصم العربية الممتدة من بغداد إلى تطوان. صحيفة النيويورك تايمز كشفت إثر انفجار آلاف أجهزة البيجر بين أيدي كوادر الحزب، عن مفاجأة مفادها أن «حزب الله» هو أهم زبائن الشركة التي ارتبط اسمها بتفجير البياجر، وأن الصفقة هي جزء من عقود أبرمت منذ العام 2022، وأن المصنع الحقيقي المورد للبياجر يخضع للاستخبارات الإسرائيلية. «حزب الله» يعلم ذلك، ويتعامل مع إسرائيل تعامل المنافس على اقتسام النفوذ في المنطقة، وليس بمنطق الاستئصال كما تروجه آلته الدعائية، ولذلك يتزود بتقنيات وأجهزة عسكرية، إما مصدرها إسرائيل مباشرة أو عبر شركات ووسطاء محسوبين عليها، وهي نفس أسلوب النظام الإيراني مع أمريكا وإسرائيل منذ الثمانينات وحتى اليوم.