على وقع تآكل المسافة بين الماضي والمستقبل وبين المكان والزمان والإنسان نتيجةً للتطورات الكبيرة والمتسارعة التي أحدثتها ثورة البيانات والذكاء الاصطناعي وما سبقها من تحولات خلال السنوات القليلة الماضية والتبعات المتوقعة في المستقبل القريب في شتى مجالات الحياة، تتأهب الرياض لانعقاد القمة العالمية الثالثة للذكاء الاصطناعي؛ بهدف إعادة تشكيل ما يمكن إعادة تشكيله بما يخدم البشرية وينسجم مع ما يعزز أهداف التنمية المستدامة لخير البشرية من خلال تبادل الخبرات عالميا بين الخبراء وصناع السياسات الاقتصادية والتقنية في هذا المجال، ورفع مستوى الاستثمار في الابتكارات ومن خلال تشكيل التحالفات وإطلاق المبادرات وتحويلها إلى مشروعات بما يخدم البشرية. أمام قمة الرياض العالمية للذكاء الاصطناعي أسئلة جوهرية ثلاثة يتحدث عنها المؤتمرون وهي: ما هو شكل المستقبل الذي يرسمه الذكاء الاصطناعي للبشرية على الفرد والمؤسسات والمنظومات الحكومية؟ وما هي الكيفية التي يتبناها قادة الذكاء الاصطناعي في العالم في نشر التقنية وانتشارها وحجم توسيع نطاق استخداماتها والاستفادة منها؟ ثم ما هي الضمانات بأن ما يتم اتخاذه من قرارات وما يرسم من سياسيات في هذا الصدد سيكون هو الأمثل؟ إن الدخول في سباق مع الذكاء الاصطناعي ومنتجاته وتداعياته وآثاره وتأثيراته من أصعب التحديات، إذا لم يكن الأصعب على الإطلاق، من هنا ندرك أهمية التوقيت الذي تحدث به البارحة رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في المؤتمر الصحفي الاستباقي للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي والذي تبدأ فعالياته هذا الثلاثاء من 10-12 سبتمبر، كما شارك في المؤتمر الصحفي كل من مدير مركز المعلومات الوطني، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للذكاء الاصطناعي. ففي المؤتمر سيتم توقيع عشرات الاتفاقات ومذكرات التفاهم المحلية والدولية، بجانب انعقاد 150 جلسة يتحدث فيها 456 متحدثاً من 100 دولة في محاور حيوية ومهمة تتعلق كلها بشكل مباشر أو غير مباشر بمستقبل البشرية مع الذكاء الاصطناعي. سبق هذه القمة قمتان خلال السنوات الماضية القريبة، كل قمة عكست معطياتها ونتائجها المرحلة التي وصلها الذكاء الاصطناعي من معطيات ومنتجات، حيث تتميز هذه القمة عن القمتين السابقتين، باتساع موضوعاتها خاصة بما يتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي وآثاره وتأثيراته ودور الحكومات في الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي ودفع عجلة الاقتصاد واستيعاب وتطوير قدرات المواهب البشرية. واستكشاف حجم ومدلولات التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. إن احتضان العاصمة السعودية لهذا النوع من القمم يعكس ما وصلته المملكة من عالمية في اهتماماتها ومعاييرها وتحمّل مسؤولياتها، ومواكبتها للتطورات المتسارعة في مجال تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي، كما يؤكد على دور المملكة الريادي والقيادي التنموي والاقتصادي والسياسي في المنطقة والعالم من خلال ما حققته من مؤشرات عالمية لافتة خلال السنوات القليلة الماضية، دون أي إخلال بدورها الوطني والعربي والإسلامي. أخيرا، نتطلع ونأمل مع بقية الشعوب والأمم في العالم، بأن تنجح هذه القمة في سد الفجوة الرقمية حتى لا يبقى أحد خارج إيجابيات معطيات تقنية البيانات والذكاء الاصطناعي والإسهام بتحقيق وترسيخ العدالة العالمية، وتعزيز الرخاء الاقتصادي ونزع فتيل الكثير من الأزمات التي يقف العالم على حافتها، وذلك من خلال خلق الفرص التي تحفظ للإنسان قيمته وكرامته، وتحفظ للأمم حقوقها الثقافية ومصالحها، والإسهام بتفعيل كل ما يتعلق بالأخلاقيات المترتبة على تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي وسن التشريعات والقوانين والأنظمة التي تكفل الحفاظ على خصوصية الأفراد والمؤسسات والدول وتطوير الأنظمة والآليات التي تكفل حفظ حقوق الملكية الفكرية للجميع.