المؤكد أن جميع الخطط المرورية في مدينة الرياض غير قادرة على مواجهة كثافة حركة السيارات في المحاور والطرق الرئيسة، والتي تتجاوز يومياً أكثر من مليوني مركبة، كما أن الطاقة الاستيعابية للطرق لم تعد تحتمل كل تلك الأعداد الهائلة في معظم الأوقات، وليس فقط خلال أوقات الذروة (6-9 صباحاً ومن 3-6 مساءً)، وزاد عليها محدودية المواقف التي شكّلت هي الأخرى عائقاً في انسيابية حركة السير، رغم الإعلان الأخير عن 164 ألف موقف من قبل أمانة منطقة الرياض. الأزمة المرورية التي تشهدها العاصمة الرياض تجاوزت موضوع الوقت والانتظار الطويل في الطرقات وأمام الإشارات، ووصلت إلى الجانب النفسي للسائق الذي لم يعد بمقدوره القيادة تحت كل هذا الضغط، وبالتالي هو مجهد ذهنياً وجسدياً ونفسياً في مشوار لا يتجاوز كيلوات معدودة لكنه يقضي فيه ساعة أو أكثر، مما اضطره إلى الانشغال بالجوال أثناء القيادة لمشاهدة مقاطع الفيديو لتخفيف هذا الضغط، ونتيجة لذلك تزايدت حوادث السير بسبب الجوال، مما زاد من تعطيل الحركة المرورية، ووصلت أحياناً إلى الشلل التام في الطرق الرئيسة. مدينة عالمية مثل الرياض تشهد في معظم أوقات السنة فعاليات ومعارض ومؤتمرات دولية، ويصل إليها السيّاح والزوّار والوفود الرسمية من كل دول العالم، ومع ذلك تواجه تحدياً كبيراً في إدارة حركة المرور على المستويات كافة؛ سواء في التخطيط والهندسة، أو التشغيل والصيانة، أو حتى في ابتكار الحلول ومشاركة المجتمع في تقديمها. وهذا التحدي وإن كان موجوداً في مدن عالمية مثل لندن، وباريس، وشيكاغو، وبوسطن، ونيويورك، وموسكو، وغيرها، إلّا أن الحلول في التعامل معها لم تكن فقط بإنشاء طرق وجسور وأنفاق وتعديل مداخل ومخارج التي تأخذ وقتاً وميزانية، أو تفعيل شبكة النقل العام التي تغطي نسبة محدودة، ولكن أيضاً البحث عن حلول سريعة أخرى لإدارة هذه الحشود الهائلة على طرق الرياض يومياً، من خلال العمل عن بُعد، وتوزيع أوقات العمل على مدار اليوم وليس ساعات محددة، والاعتماد على التقنية للوصول إلى صفر مراجعين في قطاعات العمل المختلفة، كذلك نقل الفعاليات والمؤتمرات الكبرى إلى مركز المعارض في ملهم، وإعادة توزيع مقرات العمل وعدم تمركزها في شمال العاصمة. ومع أزمة المرور على طرقات العاصمة تنامت أزمة المواقف أيضاً، وهذه قصة أخرى مزعجة إلى الحد الذي لا يطاق، رغم أن الأنظمة الجديدة لكود البناء عالجت جانباً منها، ولكنها غير كافية، والشاهد هنا أن هناك حلولاً مبتكرة لمواجهة هذا التحدي، خصوصاً في بيئة العمل. يروي مسؤول إحدى الهيئات الحكومية قصة استئجار مبنى الهيئة الذي يتسع إلى 100 موقف، وعدد الموظفين يتجاوز 350 موظفاً، وكيف يتسابق المسؤولون والموظفون إلى حجز مواقفهم، وكيف يعاني بقية الموظفين من الوقوف في الشوارع والحارات المجاورة للمبنى، والدخول أحياناً في مشاكل مع أهل الحي بسبب ذلك، وبحثنا عن أرض مجاورة لتكون مواقف، ووجدنا أن السعر المطلوب بالملايين ولن تغطي الحاجة المطلوبة؛ فقررنا أن 150 موظفاً يعملون عن بُعد، و100 موظف يحضرون بواسطة «أوبر» وتدفع لهم الهيئة قيمة المشوار، و100 موظف بمواقف سياراتهم في الهيئة، ووجدنا أن الرضا الوظيفي مرتفع، وكفاءة الإنفاق عالية، بل أكثر من ذلك بعض الموظفين الذي لديهم مواقف مسبقاً يريدون التنازل عنها في سبيل الحضور والمغادرة بواسطة «أوبر». الموضوع هو في ابتكار الحلول، وليس انتظار الميزانيات والمشروعات فقط، وهذا ما سيخفف من أزمة المرور والمواقف في الرياض.