يزخر التاريخ الفاشي في إيطاليا بالكثير من جرائم الحرب التي ارتكبها الدكتاتور موسوليني الذي وصل إلى سدة الحكم بمساعدة مليشياته الدموية التي أرهبت الشارع الإيطالي وقتذاك والمعروفة بالقمصان السود. وكأي دكتاتور فإن حياة الإنسان لا قيمة لها في ميزان طموحاته، حتى لو أدى ذلك إلى قتل ملايين البشر بدم بارد. وقد اشتهر موسوليني باختياره قادة عسكريين يتسمون بقسوة القلب، غير أنهم يدينون له بالولاء أكثر من غيرهم، وقد ساعدتهم سماتهم الوحشية على تنفيذ طموحات الدكتاتور الذي يريد ابتلاع كل ما حوله ظناً منه أنه السبيل الوحيد لتخليد ذكراه. كان الحزب الفاشي لا يقيم وزناً للإنسانية، فالغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة، كما أن القتل في عقيدته مبرر حتى لو تم تنفيذه بأبشع الوسائل، وكجزء من المخطط الاستعماري للحزب الفاشي فقد استهدف ليبيا التي كانت مساحتها تبلغ أضعاف مساحة إيطاليا، ولأن المحتل دائماً يُقاوم من قبل الشعوب فقد أرسلت إيطاليا أكثر جنرالاتها وحشية إلى ليبيا -وأشهرهم على الإطلاق السفاح جراتسياني- لقمع انتفاضتها، والذي كان يسير بمدرعاته فوق أجساد أبطال المقاومة الليبية للتخلص منهم، ولترهيب من تبقى منهم على قيد الحياة. لم يكتفِ بذلك السفاح جراتسياني؛ فأنشأ (ولأول مرة في تاريخ البشرية) ما يسمى بالمحكمة الطائرة؛ التي لا يتكون أعضاؤها من قضاة وإنما من جنرالات وقادة يعملون تحت إمرة جراتسياني، وتقوم هذه المحكمة بالهبوط في أي مدينة أو قرية ليبية تظهر أدنى مقاومة للمحتل، ويساق إليها العشرات من المواطنين الليبيين لتتم محاكمتهم من خلال محاكم صورية. وكانت هذه الطائرات تحمل على متنها أعمدة الشنق التي تنصب على الفور في الساحات العامة، حيث يتم إعدام الثوار شنقاً أمام عوائلهم وفي حضرة كافة أبناء القرية، وما إن تنتهي المهمة حتى تقلع الطائرة لجهة أخرى لتكرر نفس الأمر. يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ابتكر طريقة أخرى في حربه ضد الفلسطينيين، غير أنه يتبع نفس تفكير ومنهج الحزب الفاشي الذي يرى أن مقاومة الاحتلال جريمة، كما يبدو أن وزراء الحرب الإسرائيليين اتبعوا منطق المحكمة الطائرة، غير أن محكمتهم الطائرة لا تحتاج للهبوط في أي مكان؛ بل تقوم بتنفيذ حكم الإعدام بحق الأسر الفلسطينية من خلال قصف منازلهم وتدميرها عن بكرة أبيها، وقتل من تسوّل له نفسه مساعدة المنكوبين حتى لو كانوا من عمال الإغاثة الدوليين! صرح مراراً رئيس وزراء حكومة الحرب الإسرائيلية بأن الضغط على حماس سيعيد الأسرى إلى ديارهم، وبما أن إسرائيل فشلت في تحرير الأسرى حتى الآن، فإنها تظن أن قتل المزيد من المدنيين هو وسيلة ضغط على الجانب الفلسطيني، وإسرائيل –من جانبها- لا تفرق بين مقاتل وغير مقاتل، فكل فلسطيني على قيد الحياة عدو لها يستحق أن تدكه مقاتلاتها، لا فرق بين مسنٍ وصبي أو بين رجل وامرأة. ابتدعت الإمبراطورية الرومانية قديماً عقاباً جماعياً يسمى «إعدام العشر»، وقد استلهمه موسوليني في حروبه في ليبيا والحبشة وطبّقه على المدنيين العزل هناك؛ الذين تم وضعهم في معسكرات غير إنسانية وحرمانهم من كافة أسباب المعيشة كالغذاء والعلاج، مما تسبب في وفاة مئات الآلاف منهم، ولعل ما تقوم به إسرائيل في غزة لا يختلف كثيراً عن «إعدام العشر»؛ فعدد القتلى والجرحى والمفقودين في القطاع يقارب مئتي ألف مواطن، أي عُشر عدد سكان القطاع تقريباً، وتستمر الحكومة الإسرائيلية في دمويتها في ظل صمت دولي ودعم أمريكي غير محدود. قبل أيام قامت إسرائيل بقصف مدرسة تؤوي نازحين ما تسبب في مقتل ما يزيد على مئة فلسطيني وجرح العشرات، وقد صرحت إسرائيل بأن القصف كان متعمداً، وبررت ذلك بزعمها أن المدرسة كانت تؤوي مقاتلين من حماس، وهو ما يؤكد أن هذه الحكومة المتطرفة لا تفرق بين مدني ومسلح حتى لو أدى ذلك إلى قتل المئات من الأبرياء عمداً، ولعل الصمت الدولي من بعض الدول الغربية لا يمكن تفسيره غير أنه تواطؤ ضد الفلسطينيين، وفي حال اندلاع حرب إقليمية -بسبب الوحشية الإسرائيلية- فلا شك أنها ستقضي على الأخضر واليابس في المنطقة، وسيكون السبب الرئيسي في كل ذلك هو الضوء الأخضر الذي منحته الولاياتالمتحدة والدول الغربية لإسرائيل وإطلاق يدها لتدمير المنطقة وتحقيق أطماعها غير المشروعة على حساب حقوق شعوب المنطقة ومصالح دولها.