تُبثّ يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي رسائل يعدّها أصحابها من باب التعزيز للنفس والثقة والاستقلال بها دون الحاجة إلى الآخر؛ الذي هو الأب والأم والأخت والأخ والقريب والصديق. وهذه الرسائل في حقيقتها تدعو إلى الاستغناء عن الآخرين والاستعلاء بالذات والعزلة بها من خلال تقديمها على الآخرين واستحقاقها الواهم. وصحيح جدًا أن هناك علاقات سامة تستنزفنا وتأخذ منّا أجمل ما نملك من الفكر والروح والرؤية ولكن هذه هي الحياة إيثار وعطاء ونصف آخر وآخرين.. هذه هي الحياة «نحن والآخرين» وليست «نحن» لوحدها؛ فالإنسان خُلق ليتعايش مع الآخرين وهو جزء منهم مثلما هم جزء منه؛ لذلك من المستحيل أن يكتفي الشخص بنفسه ويتوقع أنه يملك القدرة على السير في دروب الحياة دون آخر يكون له الفنار والعون والرأي والمشورة. إن كذبة ما يرددونه في المنصات الاجتماعية: «نفسي ثم نفسي ثم نفسي إلى أن ينقطع نَفَسي» لها تأثيرها السلبي على العلاقة الأسرية وصلة الرحم؛ فعندما يتربى عليها الأبناء حتمًا سيكبرون على الأنانية والتخلي عن أدوارهم الدينية والاجتماعية في مساندة وصلة الأهل والأحباب؛ لأنه ببساطة ستتسع لديهم دائرة التخلي والاستغناء والاكتفاء بأنفسهم بجهل وأنانية وبلا وعي! النفس وحدها ناقصة وبالآخرين تكتمل والنقص هنا أعني به «الحاجة»؛ حاجة لكل فرد من العائلة وللصديق الصدوق والقريب، الحاجة هنا هي البذل والعطاء ومنح الحياة للآخر؛ لأن سعادة حياتنا أصلًا مقرونة في استقرارها مع الآخرين والعكس! ختامًا.. أنتَ ستظل عمرك كلّه تعيسًا ما لم تشعر بالاستقرار في هذا الوجود الذي هو «الآخر».