يمر السودان بإحدى أشد المراحل تعقيداً في تاريخه المعاصر، حيث الصراع بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني)، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وضع البلاد في حرب أهلية مزّقت ما تبقى من نسيجها الاجتماعي والاقتصادي، ولم تعد الأسئلة حول سبب الاقتتال وتداعياته تقتصر على المهتمين والمختصين فحسب، بل أصبحت تشغل بال كل من يتابع الشأن السوداني والأفريقي عن كثب، فالنزاع الدائر لا يهدد السودان وحده، بل يمثل نقطة اضطراب قد تؤثر على المنطقة بأسرها. لفهم الوضع في السودان، يجب التمعن في جذور الصراع الذي تأجج مؤخراً، بينما يشير البعض إلى خلافات النفوذ والسلطة كسبب رئيسي، يرى آخرون أن الصراع على الموارد، بما في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة ومناجم الذهب، يلعب دوراً حاسماً في تأجيج هذه المواجهات. واقعَا الصورة المعقدة للصراع تجعل من الصعب تحديد سببٍ واحد، مما يظهر تداخل العديد من العوامل الداخلية والخارجية، فليس ثمة من يشعر بوطأة الصراع أكثر من المواطنين الأبرياء، فالاشتباكات لم تدمر البنى التحتية وحدها بل قسّمت الأسر وأودت بحياة الكثيرين، بينما يجد آخرون أنفسهم أمام خيارات محدودة للغاية للنجاة، أما اقتصادياً، دخل السودان في حالة غير مستقرة، فالنزاع هدد الموارد الزراعية الحيوية وأدى إلى تدهور الثقة في إمكانات السودان الاقتصادية المستقبلية. إن الصراع في السودان ليس مجرد شأن داخلي، فقد أظهرت التدخلات الأجنبية والاهتمام الدولي بالنزاع أن للسودان قيمة استراتيجية كبيرة، فالدول المجاورة والقوى الكبرى لديها مصالح متنوعة تسعى لحمايتها، مما يعقّد مسار الحل ويجعل الأمور أشد تعقيداً. فالسودان، أراضيه الزراعية الخصبة ومناجمه الثرية بالذهب، هو كنز حقيقي يغري بالاستثمار والاستغلال، هذه الموارد تشكل قلب النزاع، حيث يسعى كل طرف للسيطرة والاستفادة من هذه الثروات، فالصراع إذن لا يحمل بعداً سياسياً وعسكرياً فحسب، بل أيضاً اقتصادياً. اتفاق جدة؛ الذي تم برعاية المملكة العربية السعودية بمشاركة الأطراف المعنية، قدم أملاً في إنهاء القتال واستعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان، فالعودة إلى المفاوضات وتنفيذ بنود الاتفاق بإخلاص قد تمنح السودان فرصة للخروج من هذه الأزمة، ومع ذلك، تتطلب هذه العملية التزاماً وتوافقاً دوليين لضمان تطبيق فعال ومستدام. بالمحصلة تنفيذ (اتفاق جدة) هو الحل عبر العودة إلى المسار السياسي وفق الأطر الدستورية، والحل الدائم في السودان لا يمكن أن يتحقق عبر الوسائل العسكرية وحدها، بل يجب أن يرتكز على حلول سياسية تشمل كل أطياف المجتمع السوداني وتحترم الأطر الدستورية للبلاد، مسار العودة إلى الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب جهوداً مشتركة من جميع الأطراف، بما في ذلك المجتمع الدولي، للتوصل إلى حلول عادلة تحقق السلام والازدهار لكل أبناء السودان.