تعمل البرامج التطوعية على تعزيز علاقات التبادل، وبناء الاحترام بين الشعوب، وتنمية قدرات الشباب المشاركين من مختلف الدول، ومن سائر الخلفيات التعليمية والدينية والثقافية، وهو ما يرفد روح الإنسان، ويقيل عثراته، ويلبي أشواقه. وعرفت العلاقات الدولية الكثير من أنواع العمل التطوعي، حيث يسهم برنامج الأممالمتحدة للمتطوعين في تعزيز روح المسؤولية، ويستهدف الإنسان وتنمية مقدراته ورفاهية حياته، بما في ذلك التنمية المستدامة، وتجلية مبادئ الأممالمتحدة، بالإضافة إلى دعم الاستقرار، وتحقيق السلام في جميع أنحاء العالم. التواصل، في هذا الإطار، يسهم في تعزيز العلاقات بمختلف حقولها، وقد عمدت الكثير من الدول على الاستفادة من أدوات الاشتباك والتواصل، والوصول إلى مختلف فئات المجتمع الذين هم بحاجة إلى العون والمساندة، والعمل على تحقيق مبدأ المشاركة الاجتماعية، والتركيز على مستقبل الأجيال الشبابية. التطوّع سمة المجتمعات الحيوية. وفي ضوء التطوّر المذهل لمواقع التواصل الاجتماعي وتقنية الإنترنت، فمن المهم تفعيل ثقافة التطوّع. تؤمن المملكة بقيمة العطاء في العمل التطوعي، وكان لها قصبُ السبق في عملية التواصل وبناء الجسور، وزيادة الوعي بالعمل التطوعي الخلّاق، والاشتباك المثمر مع الثقافات والمجتمعات الأخرى، وإشاعة روح العمل والمسؤولية لدى الشعوب على قاعدة المشترك الإنساني المتجذر في العقول والنفوس. من هذا المنطلق الجليل تبلورت، بالتعاون مع مملكة السويد، فكرة «رسل السلام» (Messengers Of Peace) التي تمثل صيغة خلّاقة ومنهجية عمل إنسانية. كان ذلك أثناء زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، عام 2001 (وكان وقتها ولياً للعهد)، للسويد، ودعوته لشباب الكشافة أن يكونوا رسل سلام، وتسخير الطاقات الشبابية في بلدانهم من أجل خير البشرية جمعاء. وقد استجاب ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف، الرئيس الفخري لمؤسسة الكشافة العالمية، لهذه المبادرة التي انضم إليها ملايين الكشافة حول العالم، بعد إطلاق برنامج «رسل السلام» بشكل رسمي. أخذ المشروع الكشفي العالمي لرسل السلام بعداً إضافياً أثناء زيارة الملك كارل السادس عشر غوستاف المملكة العربية السعودية عام 2011، وقد سبق للسفارة في استكهولم أن تشرفت باستقبال العديد من أعضاء الكشافة السعودية، إذ جرى التأكيد على التعاون السعودي-السويدي في مجال الكشافة، بما يعطي بعداً إضافياً للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويخدم السلام العالمي. أصبحت «رسل السلام» مشروعاً حضارياً يحظى برعاية ودعم من المملكة، لتقديم الخدمات التطوعية والمساعدات الإنسانية في الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا والعالم، حيث تقوم بتوزيع الأدوية، وحفر آبار المياه، ونشر الثقافة الصحية، وإيجاد البيئة التفاعلية للأفكار النبيلة. ويعد مشروع «رسل السلام» من المشاريع التطوعية العالمية التي أثبتت نجاحها في الخدمة المجتمعية، خصوصاً وأنّ برامجها تتفق وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فقد بُذلت أكثر من 700 مليون ساعة عمل باشرها أكثر من 40 مليون كشاف في «رسل السلام» على مستوى العالم في أكثر من 140 دولة، بما يمكّنهم من تعزيز مقومات الصمود الذاتية والحياة الكريمة. وتسهم المملكة في إعلاء أفق التعاون، والارتقاء بالعمل التطوعي، كما يعكسه موسم الحج على سبيل المثال، ليصبح إحدى ركائز العمل الإنساني، محلياً وإقليمياً ودولياً، وتفعيل ممارسة المسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي بما يتماشى مع أبعاد التنمية المستدامة، وتحفيز مجال المسؤولية المجتمعية، بهدف زيادة الثقافة بأهمية العمل التطوّعي وتنمية قيمته لدى الشباب. وتشارك المملكة، في أفياء القيادة الشابة، بعزم وحماسة في يوم التطوّع السعودي والعالمي، الذي يوافق الخامس من ديسمبر من كل عام، وتقوم بدور إنساني كبير عبر دعم «رسل السلام» في مجال العمل التطوعي، بما يسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030 في مجال المسؤولية المجتمعية، وبناء فضاء مستنير من الريادة والمبادرة والإبداع. لقد ذكر ملك السويد، خلال مقابلته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، أثناء زيارته الأخيرة للرياض أنّ برنامج «رسل السلام» قد ألهم 23 مليوناً من كشافة العالم، وأنّ هناك 50 مليون كشاف في 169 بلداً يحيّونك، يا خادم الحرمين الشريفين، على دعم هذه المبادرة التي هي واحدة من مبادرات المملكة العديدة كدولة راعية للسلام والتطوّع الإنساني الدولي. الكشافة هم رسل الخير والحب والسلام لكل العالم. ومن هنا ينبع اهتمام المملكة ودعمها لهذا المشروع المدهش الذي يصب في إطار السلام والحوار والصحة والبيئة، وحل الصراعات بين المجتمعات وداخلها، ورفع منسوب الإخاء والتعاطف والحنوّ بين أفراد المجتمع البشري، من أجل حب الإنسانية، والولاء لقيمها، وتنمية الثقافة التطوعية، وإعلاء راية الخير والأمل.