في 2010؛ خصصت وقتاً من رحلتي التي امتدت 20 يوماً إلى إحدى الدول المتقدمة؛ لزيارة المدن الصغيرة ذات الأحياء المترابطة.. اكتشفت نمواً فكرياً وتنوعاً ثقافياً لدى سكانها، خصوصاً السلوكيات تجاه السلامة المرورية.. خلت الشوارع الداخلية وتقاطعاتها من الإشارات الضوئية للتنبيه، ومن المطبات الاصطناعية للتهدئة، ومن كاميرات الرصد لتقييد السائقين بحدود السرعة المسموح بها.. كانت اللوحات الإرشادية هي الأساس في توجيه الناس، فالحياة القانونية هناك تعتمد في الأساس على وعي العنصر البشري.. هذا التناغم يظهر من خلال ثقافة الشعب السائدة التي اكتفت بقانون التنبيه الكتابي لتحقيق انسيابية الحركة المرورية دون أضرار.. فالجميع يعي تلك الإرشادات فقلَّ ما يحدث حوادث مرورية بين المركبات.. تلك الثقافة السائدة أسهمت بشكل واضح بانسيابية الحركة وخلو المدينة من الاكتظاظ المروري. إن ثقافة التحكم في الذات ألغت الحاجة إلى رصد إلكتروني للسرعة على الشوارع.. كما أنَّ ثقافة تقييم المخاطر أسهمت في عدم نشوء كوارث تترتب عليها خسائر في الأرواح والممتلكات.. لذلك؛ ليس ثمة أمر يدعو إلى تكثيف التحكم المروري بشكل موسع، أو تقييد لحرية السائق بشكل أضيق؛ لأن «الوعي هو الأصل في الأشياء».. من هنا نفهم بأن الشعوب من الممكن أن تختار قوانينها أو تؤسس لها بقدر ما تمتلك من إدراك ووعي، ويكون لذلك أثره المباشر في حفظ الأنفس والممتلكات، وخفض التكاليف المالية التي تثقل كاهل الدولة من جهة في حال الجهل بتلك القوانين أو عدم تطبيقها. لقد باتت لديّ قناعة تامة بأن تدعيم أنظمة مراقبة السير بالمطبات الصناعية والإشارات الضوئية وكاميرات الرصد الإلكتروني ومراكمة الغرامات المالية الناتجة عن الأخطاء المرورية ليس كافياً لتغيير سلوك الناس، فنحن نلمس واقعاً أن كثيراً من الأنظمة واللوائح تم إقرارها لكبح جماح سلوكياتنا الخاطئة وليس لأسباب تتعلق بتنظيم حياتنا!.. كل ذلك يؤكد أننا بحاجة إلى ما يضبط ذواتنا وسلوكياتنا من خلال الوعي.. لا نريد أن يردعنا القانون المكّلف بقدر ما يردعنا الإدراك. نحن أمام مسؤولية كبيرة نحو جيل غالٍ؛ نعده لمستقبل وطن عظيم، وعلينا جميعاً واجب توعيته، ومن المعلوم أن التوعية تكون بالقدوة؛ أعني أن القدوة هو من يعرف أهمية الالتزام بأنظمة السير وتطبيق إجراءات السلامة، وجعل احترام تلك التعليمات سلوكاً أصيلاً، وممارسةً طبيعيةً له في كل أحواله.