على الرغم من وجود الأنظمة المرورية والإشارات الضوئية واللوحات الإرشادية الموضوعة على جنبات الطرق لتحديد السرعة النظامية وتوعية قائدي المركبات وإرشادهم، إلى جانب وجود العديد من الفرق والنقاط الأمنية، وكذلك استحداث أنظمة جديدة للحد من المخالفات المرورية، إلاّ أن سلوك بعض قائدي المركبات لم يتغيّر إلى الأفضل، فالملاحظ أن "السيارة" أصبحت لدى هؤلاء أداة للقتل، في ظل تزايد أعداد المتوفين في حوادث الطرق، لتصبح "المملكة" بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية الدولة الأعلى في نسبة وفيات حوادث الطرق دولياً، إذ وصل عدد الوفيات إلى (49) وفاة لكل (100) ألف من عدد السكان، إلى جانب ما تظهره إحصائيات المخالفات المرورية الصادرة عن إدارات المرور في مناطق "المملكة". نجاح نظام «ساهر» مرهون بزيادة الوعي والقضاء على أساليب التحايل عليه وعلى سبيل المثال فقد تم تحرير قرابة ثلاثة ملايين مخالفة مرورية في مدينة "الرياض" في العام الهجري (1434ه)، وهذه إشارات ودلائل على أننا مازلنا نفتقد لثقافة قيادة المركبة، فلماذا تلطخت أرصفة شوارعنا بدماء الشباب ممن يشكلون النسبة الأكبر في هذه الحوادث؟، وما مفهوم قيادة السيارة لدى أفراد المجتمع؟، وهل لا نزال بحاجة إلى الوعي لمعرفة هذا المفهوم؟، أم أنه بالإمكان أن نغمض أعيننا عن ذلك كله مكتفين بالإحصائيات المرورية التي تكشف نهاية كل عام أعداد الوفيات والمصابين والمخالفات المرورية التي استنزفت جيوب المخالفين؟. سلوك الأفراد وقال "علي بن محمد أبو حكمة" -أخصائي علم نفس سريري- إن الأنظمة المرورية لم تثبت جدواها حتى الآن في تغيير سلوك قائد المركبة، مستشهداً في ذلك بالأعداد الكبيرة من المصابين والمتوفين في حوادث الطرق نتيجة العديد من المخالفات المرورية التي تطالعنا بها إدارات المرور في مناطق "المملكة" كل عام، موضحاً أن هذه المخالفات تعود إلى أن الأنظمة المرورية لم تخاطب سوى سلوك الأفراد في المجتمع. وأضاف أن بعض قائدي السيارات يضطرون عند الضرورة إلى ارتكاب العديد من المخالفات المرورية، ومن ذلك السرعة الزائدة والتحايل على الأنظمة وقطع الإشارات الضوئية والتجاوز غير المشروع، في الوقت الذي يكون فيه هذا السلوك عادة عند البعض الآخر، مبيناً أن هؤلاء الأفراد عادة هم أناس عاديون يتميزون بالعقل والتفكير السليم، بيد أن الإشارات الضوئية ونظام "ساهر" تخاطب السلوك فقط، وبالتالي فإن التحايل عليها سهل جداً؛ لأن الأفراد هنا يستخدمون عقولهم قبل سلوكهم فيسهل عليهم التحايل على هذه الأنظمة لأن ليس لها عقل. تزايد مخالفات قطع الإشارة التي لا تتواجد بها كاميرات ساهر فرض الغرامات ورأى "أبو حكمة" أن الإشارات الضوئية ونظام "ساهر" واللوحات الإرشادية على بعض الطرق عبارة عن أدوات وُضعت فجأة أمام أفراد المجتمع دون ربطها بقيم ومبادئ أخلاقية، مشيراً إلى أنه تم ربطها بعملية فرض الغرامات على الأفراد عبر قسائم المخالفات، موضحاً أن ذلك جعل البعض يلجأون إلى الالتفاف على ذلك كله عبر الاستعانة بالواسطة لإسقاط بعض المخالفات، إلى جانب إقدام بعض قائدي المركبات على تنبيه قائدي المركبات الأخرى القادمين من الخلف عند ملاحظتهم وجود كاميرات نظام "ساهر" في حين أنهم لا يعرفون بعضهم ولكن تجمعهم قيم ومبادئ اجتماعية مشتركة. ولفت إلى أن هذه الإجراءات لن يكون لها دور إيجابي في تغيير سلوك قائدي المركبات إذا كان من أولوياتها تصيُّد المخالفين وجمع وتحصيل المال، وقال: "إن ما يتحكم في سلوك العديد من أفراد المجتمع هو عقولهم وقيمهم ومبادئهم الاجتماعية، وبالتالي فإن الفرد لا يقدم على ارتكاب أي سلوك إلا بعد أخذ الموافقة على ذلك القرار من عقله وتوافقه مع قيمه ومبادئه في مقابل متغيرات أخرى تعد بمثابة عوامل تسهم في إحداث المخالفات على قائدي المركبات وتكون خارجه عن سيطرتهم السلوكية والعقلية، مثل : البيئة التي تسير عليها المركبة وطبيعتها والمناخ، إلى جانب وقت قيادة المركبة وعدم تخطيط الطرق وإضاءتها". حملات توعوية وبين "أبو حكمة" أن إعادة برمجة الأنظمة المرورية، ومن ذلك الإشارات الضوئية واللوحات الإرشادية ونظام "ساهر" بهدف الحد من السرعة وارتكاب المخالفات المرورية من الممكن أن تبدأ من مدارس تعليم قيادة المركبات، مشدداً على ضرورة وضع قيم علمية واجتماعية تتعلق بمعنى قيادة المركبة، إلى جانب إطلاق حملات توعوية سنوية بشعارات مختلفة تدور حول تغيير نمط قيادة المركبات نحو الأفضل ابتداءً من الإعلام والمساجد والمدارس، على أن يوضع مصطلح موحد في كل سنة للفت نظر الأفراد وجذب اهتمامهم وتغيير نمط قيادة المركبات واحترام الأنظمة المرورية. وأوضح أن بعض أفراد المجتمع يعانون من اضطرابات عضوية ونفسية، ومن ذلك الإصابة ببعض الأمراض المزمنة والنفسية، مضيفاً أن هذه الأمراض قد تسيطر على سلوك المرضى ولا يستطيعون التحكم فيها نتيجة لنوبات مؤقتة يضطرون أثناءها إلى ارتكاب بعض المخالفات المرورية، متسائلاً عن مدى مراعاة نظام "ساهر" -مثلاً- لظروف هذه الفئة؟، لافتاً إلى أن العديد من الأنظمة المرورية ترصد سلوك الأفراد دون مراعاة هذا الجانب؛ لأنها أجهزة لا عقل لها، وبالتالي فهي تسجل المبالغ المالية كعقوبة دون مراعاة للجوانب المعرفية والنفسية والقيم والمبادئ الاجتماعية لأفراد المجتمع، خصوصاً الأفراد ذوي الظروف الخاصة. تحرير المخالفات غير كافٍ من دون وعي للسائقين دراسة تحليلية ودعا "م.إبراهيم قطب" إلى إيجاد دراسة تحليلية شاملة للواقع الذي نعيشه مع الإحصائيات المرورية وعدم الاكتفاء بتسجيل المخالفات المرورية، وقال :"إشكالية الحوادث المرورية وعدم التقيد بالأنظمة عملية مستعصية وممتدة، ولعل الغوص فيها وتحليلها بشكل عميق بات أمراً ملحاً ومهماً"، مضيفاً أن طرح هذا الموضوع في صيغة أشمل وأعم سيجعله أكثر ملامسة لإمكانية فهم هذه الظاهرة المزعجة، مشيراً إلى أن فهم المجتمع وتحليل روافد الوعي الجمعي وتفاعله مع الأنظمة والقوانين الصادرة من الجهات الحكومية سيلقي الضوء على جذر المشكلة بشكل أفضل. وشدد على ضرورة الاعتراف أولاً بأن الوعي المروري هو بالضرورة نتاج تطور حضاري وسلوك مدني وانتصار لثقافة الحقوق والواجبات، مؤكداً على أن العلاقة بين العديد من فئات المجتمع والأنظمة والقوانين يشوبها كثير من الاضطراب واللبس، لافتاً إلى أن الوعي الجمعي لهذه الفئات يجعلها ترى أن تلك الأنظمة هي مصدر للتقييد والأسر والجباية وتحصيل الأموال من المواطنين، مرجعاً ذلك لعدم وجود بيئة قانونية حقوقية واضحة الملامح تلقي الضوء على الحقوق والواجبات، داعياً إلى إشراك المواطن في آلية خلق تلك الأنظمة، وبث الشعور أنها من المواطن وإليه، إلى جانب خلق بيئة حقوقية واضحة يمكن التحاكم إليها والاستئناس بها من عسف أي جهات حكومية ومنها "المرور" تحديداً. قلة الوعي وأكد "فهد الرياعي" –تربوي- على أن المخالفات المرورية التي يشهدها الشارع المحلي تتعدد أشكالها وتختلف أسبابها، موضحاً أن السبب الأبرز في تحول المخالفات المرورية إلى ظاهرة هو غياب التطبيق الفعلي للعقوبات على مرتكبي المخالفات من قبل الجهات المعنية، حتى بات الخوف من تطبيق العقوبة أمراً غير وارد في قاموس المخالفين لعدة اعتبارات أبرزها: الاتكالية الحاصلة على نظام الرصد الآلي واقتصار العقوبات على الجانب المادي فقط، إلى جانب قلة الوعي الحاصل في صفوف المخالفين الذين يكون أغلبهم من فئة الشباب وصغار السن ممن لا يدركون خطورة ما يرتكبونه من مخالفات مرورية. وأشار إلى أن عملية الوعي هي شراكة بين مؤسسات المجتمع بشكل عام، ومن بينها مؤسسات التعليم ومنابر الخطب ومراكز الدعوة، مضيفاً أن غياب هذه الظاهرة عن هذه المنابر يسبب خللاً في خارطة زراعة الثقافة المجتمعية في كافة أطيافه، خاصة الفئة المستهدفة وهي فئة الشباب التي تحتاج لمضاعفة الجهود وتكاتفها للحد من هذه الظاهرة، مبيناً أن هناك مسؤولية مجتمعية تبدأ من الأسرة أولاً ثم تتسع لتشمل كافة أطياف المجتمع لخلق شراكة مجتمعية تهدف للوقوف مع المؤسسات الحكومية المعنية جنباً إلى جنب في رفع مستوى الوعي والإدراك وتعزيز احترام لنظام في نفوس الناشئة. نظام "ساهر" ورأى "عبدالعزيز آل شيبان" أن العديد من الأنظمة المرورية الحديثة، ومنها نظام "ساهر" أثارت جدلاً كبيراً بين أوساط المجتمع المحلي، وقال:"لا يمكن أن تأتي سيرة نظام ساهر في أي مكان إلاّ ويثير جدلاً كبيراً بين مؤيد ومعارض له أو مؤيد بشروط، ومهما كانت المبررات لأي طرف فإنني سأطرح السؤال التالي، وهو: هل الهدف من ساهر توعوي أم مادي ولماذا كل هذا الجدل؟"، مضيفاً أنه لا بد من البحث في أصل هذا الإشكال، موضحاً أن القوانين هي ابتكار إنساني لضبط سلوك الفرد وتحديد إطار عام يحدد مساحة الحرية، وعادة ما تترافق تلك القوانين بجزاءات وعقوبات لكل من يخرقها، مشيراً إلى أن هدفها في النهاية هو خلق قيم أخلاقية عبر مؤسسات الدولة. وقال: "ساهر هو نظام آلي لرصد المخالفات المرورية وفرض غرامات مالية على المخالفين، وإلى الآن لا يوجد هنا أي إشكال"، متسائلاً عن سبب وجود هذا النفور والاشمئزاز المجتمعي من هذا النظام؟، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى غياب تطبيق الأنظمة بشكلها العام على جميع أفراد المجتمع، لافتاً إلى أن ارتباط نظام "ساهر" بمُشغِّل من القطاع الخاص، إضافة إلى تطبيق الحد الأعلى من الغرامة في حال التأخر عن السداد؛ أدى إلى عدم تقبل بعض أفراد المجتمع. شعور عكسي وأيده الرأي "نواف الأسمري"، مضيفاً أن ارتباط نظام "ساهر" بفرض الغرامات وشعور البعض أن هدفه مادي بحت ولّد لديهم شعور عكسي، مشيراً إلى أنه لم يحقق حتى الآن الغاية منه في تقليص عدد الحوادث وضبط الحركة المرورية، متمنياً وجود نظام ثواب يقابل حزمة العقوبات المفروضة على مخالفي الأنظمة المرورية، مشيراً إلى أنه لا بد أن يقال للمحسن أحسنت بموازاة إيقاع العقوبات على المخالفين، مقترحاً أن تحتسب نقاط توضع في رصيد قائدي المركبات المتقيدين بالأنظمة المرورية على أن تساعدهم هذه النقاط في تخفيض رسوم بعض الإجراءات أو المخالفات المرورية. علي أبو حكمة م. إبراهيم قطب فهد الرياعي عبدالعزيز آل شيبان نواف الأسمري