•• استجبت ذات مساء لدعوة صديق لحضور أسبوعيته الثقافية.. أسقطني المحاضر من محجر الرتابة إلى الشعور بالارتياح.. كان رشيق الكلمات، رقيق الطرح، وكأن سبيكة ذهبية وُضِعت على ثغره فمرت الدقائق معه بمذاق عالٍ.. عكَّر مزاجي والحاضرين عقب تلك الندوة متداخلون يهذرون في كل فن بما لا يعرفون.. ينطقون بكلام عبوس على غرار القادة العسكريين.. ولولا الحياء لقلنا لهم: «عفواً الرقم خطأ». •• هؤلاء هم «فقهاء المجالس» ممن لا يعرفون كيف يستنشقون الأوكسجين.. ران على ألسنتهم التجهم والتهجم وكأنهم يتعمدون تفريخ الكآبة.. هؤلاء هم أثمان المتعلمين يأتون المجالس؛ ليهذروا بما لا يفقهون، فينغِّصوا علينا بحشر ألسنتهم في كل علم.. هؤلاء هم المتفيهقون، الثراثرة، المائلة أفواههم بالكلام، الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. لم يفسحوا مجالاً لصاحب تخصص، ولم يتركوا تخصصاً إلا وتشدقوا بالحديث فيه. •• أفئدتنا تنتفض خوفاً ووجلاً من ثقافة رديئة يأتي أصحابها بالعجائب.. ثرثرة هؤلاء أبكتنا نشيجاً، فعقولنا وقلوبنا لم تعد تستطع المقاومة.. صياح ألسنتهم المتعرجة توقظ في نفوسنا أسنان الزمن.. خراطيم عقولهم الجهنمية تعذبنا فتزيل البهاء من عقولنا.. نفايات أفكارهم العابثة تحوِّل الأجيال القادمة من نور ممنوح من الله إلى مشروع مهشَّم.. فيا ثراثرة المجالس: إن لم تتعلموا أدبها فلا تجالسوا أهلها. •• أولئك المتحذلقون الذين يقلِّبون النار داخل مواقد عقولنا؛ يتحدثون بمزاج مصدوم أوصلهم إلى أرض مكشوفة فسقطوا في حفرة عميقة.. صمتنا ليس خجلاً منهم وإنما ازدراء لهم.. ألم ينظر أولئك إلى وجوههم في المرآة كل صباح كي لا يتجرؤوا الحديث بخيبة تشعر الآخرين بالغثيان؟!.. أولئك عليهم قبل الكلام أن يحركوا ألسنتهم داخل أفواههم سبع مرات، وأن يغسلوها سبعاً أخرى أحداهن بالتراب.