نسمع كثيراً عبارة «الجمال جمال الروح»، ولا أحد يلغي أهميته، ولكن لا يعني هذا إلغاء «جمال الشكل» القائم على صنعة الله في الإنسان والمخلوقات والكون، «صنع الله الذي أتقن كل شيء».. هذه الصنعة القائمة على جمال الشكل وإبداعه؛ تدعونا للتأمل الجمالي والإبداعي والتعبدي الذي يملأ قلوبنا إيماناً ويقيناً بأن هذا الجمال من صنع الله الخالق المبدع الصانع، الذي خلق وأنشأ وصوَّر تصوير الإبداع والجمال «وصوركم فأحسن صوركم»، ثم يأتي الجمال الشكلي الذي صنعه الإنسان بإبداعه في الفنون المختلفة. كل هذا الجمال الشكلي القائم على صنعة الله ثم على صنعة الإنسان بما فيه من جمال روحي وشكلي؛ يجعلنا نقول إنّ «الجمال جمال الشكل والروح معاً» بدرجات متفاوتة، من شخص إلى آخر بتحقيق الجانبين معاً أو طغيان جانب على آخر. وثمة أربع مراتب للجمال، هي: أولاً: أن يجمع الإنسان بين جمال الشكل والروح (أعلى مراتب الجمال)، وهذه المرتبة من الجمال نجدها في أشخاص منحهم الله جمال الشكل وزينوه بجمال الروح والأخلاق والتواضع. ثانياً: أن يكون الإنسان على قدر ضئيل من جمال الشكل، لكنه يُبهرنا بجمال روحه وسمو أخلاقه. ثالثاً: أن يكون الإنسان على قدر عالٍ من جمال الشكل، لكنه يفتقد جمال الروح والأخلاق، بل نجد هذه الفئة تعتد بجمالها إلى درجة الغرور والتكبر والتعالي، وهي فئة منبوذة جعلت الكثير يظن أنّ الجمال جمال الروح فقط فلغوا قيمة الجمال الشكلي. رابعاً: أن يكون الإنسان على قدر ضئيل من جمال الشكل ويفتقد أيضاً جمال الروح والأخلاق، وهذه الفئة في الدرك الأسفل من عالم الجمال، فلا شكل ولا روح. هذه الرؤية للجمال بمراتبها وفئاتها، تجعلنا نفهم ما هو الجمال وحقيقته، تجعلنا نرى أن الشكل والمضمون مكونان مهمان لأي صنعة جمالية، فجمال الشكل وجمال الروح يتحدان معاً فيكونان صورة جمالية تسعد بها النفوس وتنشرح بها الصدور، ولكي نحصل على هذه السعادة الجمالية لا بد أن تكون لدينا رؤية جمالية نستشعر من خلالها الجمال ونحس به، فيوقظ حواسنا بروعته وفنه برؤية جمالية تجعلنا نرى الوجود جميلاً.