لا تزال الشملي تروي قصصاً وذكريات سطرها الزمان والمكان، ارتبطت تاريخياً ووجدانياً بسكانها جيلاً بعد جيل، إذ تضم أرضها العديد من الرسوم والنقوش الأثرية التي رسمت ونقشت في عصور مختلفة على واجهات صخور الجبال، ونسجت لنا تلك الرسومات والفنون الصخرية الأثرية والتاريخية الخيل والإبل بمختلف الأحجام، وتنوعت ما بين النقوش الثمودية والدينية والمودة والعشق وملكية الرسومات. ولكون الشملي تقع في منتصف الطريق، ما بين ثلاثة أماكن مهمة، هي حائل والعلا والحائط، إذ يعد هذا المكان مهماً جداً للقوافل قديماً، فالمسافرون يبتعدون عن الحرة وعن الجبال الوعرة، ويسلكون الطريق السهل ويمرون بالشملي، ونتيجة لمرور القوافل نجد النقوش المختلفة والمتنوعة مثل النقوش الثمودية والنبطية والإسلامية المبكرة على الصخور الرسوبية والجرانيتية والبازلتية والبركانية. كشف تقرير أعده فريق تطوير محافظة الشملي، أخيراً، أن الشملي تزخر بالعديد من المواقع الأثرية والسياحية والاستشفائية، التي تمتاز بطبيعتها الجغرافية وتكويناتها الجبيلة التي تحتوي على نقوش تعود لحضارات ممتدة من العصر الحجري والحضارات الثمودية واليهودية إلى صدر الإسلام وما بعده من حقب تاريخية، إذ تم رصد هذه المواقع بالمحافظة، وعددها 14 موقعاً، هي: (محجة، وقارة ذرّيعات، وغراميل غسّال، وعرنان، وحمد وحمادة، والمليحية، والظبيبية، ورضيمة العدن، وسحيّبة، وسحابة، وبشرى، والحنيّة، وذراف، وبئر الرفدي). وأعلنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة حائل، موقعاً أثرياً يعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، يقع في غراميل الخرم (مظيهير الفجة) في الشمال الغربي من محافظة الشملي، بمنطقة حائل، التي تزخر عموماً بالكثير من الآثار التاريخية، أثبتت من خلالها بأنها تمتلك حضارات متنوعة عبر عصور مختلفة، على مدى سنوات. نقوش على أغلب الجبال أوضح الباحث في النقوش الثمودية المرشد السياحي ممدوح المزاوم ل«عكاظ»، أن وجود نقوش ثمودية ونبطية وإسلامية في مكان واحد يدل على تعدد الفترات الزمنية التي عاش بها الناس في هذا المكان، وتدل على أهمية المكان من ناحية ربط طرق القوافل قديماً وحديثاً، فالمسافرون جعلوا من هذا المكان نقطة للراحة واللقاء وتغيير المسار. وقال: «الشملي تتنوع فيها النقوش الثمودية ما بين النقوش الدينية والمودة والعشق وملكية الرسومات، وهي تنتشر على أغلب الجبال المحيطة بمحافظة الشملي، ومن هذه النقوش رسومات الإبل بمختلف الأحجام؛ ومنها ما رسمه الرحالة الألماني يوليوس أويتنج 1884م، الذي نُقش بجواره بالخط الثمودي (لخدعة هجمل) ولم يكتفِ هذا الثمودي برسم الجمل بل رسم (فرساً أنثى). وأشار إلى أن رسومات الخيول في الشملي منتشرة ومتنوعة الأحجام وأساليب الرسم، ولعل أبرز مَن نقشوا ورسموا على جبال الشملي الثمودي «سلمة» إذ رسم نفسه ممتطياً جواده وهو يحمي إبله أثناء الرعي. وأفاد أن سلمة الثمودي أجاد في تفاصيل رسمه، فنجد أنه قد ظفر شعر عرف جواده (وهو الشعر الموجود على رقبة الخيل) دليلاً على اعتنائه بالخيل. ونوه إلى أنه غير بعيد من رسم ونقش الثمودي «سلمة»، رسم شخص آخر وهو الثمودي «جهف» فرساً، ونقش جوارها اسمه وصفة لفرسه (رهوي)، وهذه الصفة تنتشر في النقوش الثمودية وتعني الهادي الساكن. مواقع أثرية وتراث عالمي كشف الباحث في التاريخ مشاري النشمي ل«عكاظ»، أن منطقة حائل تزخر بالفنون الصخرية؛ وهي منطقة تراث عالمي، ومن أهم المواقع الأثرية في المنطقة آثار محافظة الشملي. وقال: «نجد في المواقع التابعة لهذه المحافظة الجميلة تنوعاً مميزاً في الآثار السياحية والعلمية، فمثلاً نجد في جبال عرنان متاحف أثرية تحتوي على رسوم متنوعة لعصور عدة متفاوتة في الحقب الزمنية، وهي من أجمل المواقع، والذي يجعلها أكثر تميزاً هو طبيعتها الجغرافية لاحتوائها على جبال تسمى (الغراميل)، وهي الجبال الصغيرة التي تكونت على أشكال جميلة، ونجد أن السياحة الفلكية في هذه الجبال من أنجح المسارات لبعدها عن الملوثات خصوصاً الضوء، كذلك جبال المسمى لا تقل أهمية عن جبال عرنان بكثافة الرسوم والكتابات الثمودية القديمة، وكذلك غراميل ساحوت، وهذه المواقع الثلاثة توجد فيها أجمل رسوم منحوتة للإبل في السعودية، التي ترجع إلى الألف الثاني والثالث قبل الميلاد وقد تكون أقدم بكثير، ومن المواقع الأثرية في هذه المحافظة هي موقع قمرا والخرم». وأضاف: «محافظة الشملي، تمتلك مقومات السياحة الجيولوجية لكثرة التنوع الصخري، ووجود الكهوف والمغارات الكبيرة الواسعة، التي تحتوي على نقوش أغلبها ثمودي، وكذلك نقوش إسلامية مبكرة، فالمواقع الأثرية في هذه المنطقة كثيرة جداً نتمنى أن يكون لها دور كبير في السياحة في السعودية الأيام القادمة». واجهات صخرية وانبهار بالتفاصيل أكد المرشد السياحي المزاوم، أن الشملي تستمر بإبهارنا بالرسومات الرائعة للخيل العربية الأصيلة؛ فعلى إحدى الواجهات الصخرية لوحة بديعة لفرسين مرسومين بتفاصيل عربية جميلة قريبة من الحجم الطبيعي، هذه الأفراس لو شاركت في مسابقات الجمال للخيول لفازت بالمركز الأول لسنوات متتالية، إذ يعجز المشاهد عن وصف جمالها، ويكتفي بالنظر إلى تفاصل الرومات من شدة انبهاره بجمالها ودقة تنفيذها. وذكر قائلاً: من النقوش الطريفة الجميلة ذات البعد العاطفي بين الثموديين ما نقشه الثمودي عمر يبين فيه عشقه حبيبته، وهذا النقش منقوش من جهة اليسار إلى جهة اليمين، عمر عشق ربعة (رابعة) ورابعة من الأسماء المعروفة قديماً، والنقش الثمودي السابق ملاصق له نقش نبطي يدل على تمازج الفترات الزمنية والحضارات في محافظة الشملي، والنقش النبطي ليس الوحيد في الشملي فهناك العديد منها والمنتشرة في كل اتجاه.