حمّل الكاتب والباحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي عبدالواحد الأنصاري، جيل الألفية الجديدة خطأ خوض تجربة الطفرة الروائية دون تخصيب الأرض بالمكونات الأساسية لذائقة روائية حقيقية، مما أدى إلى طفرة روائية بلا خصوبة ولا نقاء. وأضاف في ندوة ألقاها في منتدى الثلاثاء الثقافي حول موضوع «مراجعات ثقافية مع جيل الألفية في السعودية» وقدم لها الناقد محمد الحميدي أنّ جيل الألفية الجديدة من الأدباء ومتذوقي الأدب، لم تكن لديهم الاستعدادات اللازمة لتلقف نظريات أدبية نقدية كالبنيوية، كما فعل الجيل السابق في السبعينيات والثمانينيات الذي كان أقوى ثقافة منهم في هذا الباب، ولم يكن جيل الألفية الجديدة يعيش في بيئة اجتماعية تهيئه لأن يفهم نوعاً خاصاً من الأجناس الأدبية المكثفة كقصيدة النثر فهماً عميقاً، وفي الوقت نفسه كان الانفتاح الذي حصل في الشبكة العنكبوتية قد أدى إلى تسرّب القصة والرواية العربية والمترجمة الممنوعة إلى القراء وحصلوا عليها بشتى الوسائل، وواكب ذلك ظهور بعض المواقع والمنتديات الثقافية؛ مثل منتدى طوى وجسد الثقافة وظهرت أعمال أدبية تلقت أصداء مهمة كان أهمها ثلاثية أحلام مستغانمي وسقف الكفاية لمحمد حسن علوان وبنات الرياض لرجاء الصانع. مما أدى إلى زيادة الحضور الروائي حتى إنّ بعض النقاد الذين كانوا يعرفون في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية بعنايتهم بالشعر ونقده وجدوا أنفسهم مضطرين إلى مواكبة المسيرة السردية في المملكة تحت الضغط عليهم بأنهم لا يقرؤون الأدب الروائي وليسوا مطلعين عليه بشكل كافٍ، إذ عبر بعضهم إلى عالم المنتديات وأجريت معهم حوارات حول الرواية السعودية في وقتٍ لم يكونوا فيه مطلعين عليها بشكل كافٍ. وأكد الأنصاري أنّ جيل الألفية الجديدة شهدوا عودة القصيدة الخليلية «الفحلة» من خلال البرامج والمسابقات الشعرية الكبرى في الخليج العربي، لكنهم كانوا يتبرأون منها في مجالسهم الأدبية ومواقفهم النقدية، وكان الأجدر بهم أن يعودوا إليها عودة صادقة، وأن تكون بدءاً لانطلاقة شعرية في الخليج شبيهة بعصر نهضة الأدب العربي في البلاد التي كانت مركزاً كمصر والشام، فالحمولة الإيجابية التي تؤديها كلمة «الفحولة» ومعانيها للقصيدة العربية هي «الاكتمال والقوة»، وليس المقصود بها بالضرورة ذلك المعنى السطحي الجنسي الشبقي الذي تبرأ منه كثير من أبناء جيله من المثقفين. وأضاف الأنصاري أنّ كثيراً من أبناء جيله تأثروا بما سمى ب«الربيع العربي» بالصيحات والشعارات المتعلقة بالديمقراطية وكانت هي الغالبة، ولكن هذا الجيل لم يكن مسلحاً بمعرفة حقيقية لواقع النظم السياسية في العالم، وفاته أن النظم السياسية الحالية غير أيديولوجية في الوقت الحالي، وأن الحقبة التي انتعشت فيها الثورات الأوربية تبعتها ويلات من الحروب الأهلية والاقتتال والإبادات المتبادلة لأنواع مختلفة من الطبقات في العالم الغربي والشرقي، وأن تلك الفترة قد أفلت ومضت إلى حال سبيلها. ومعظم الشبان المتحمسين، إن لم يكونوا جميعهم، لم يكونوا يتخيلون نموذجاً مشابهاً، بل كانوا يحلمون بأنّ نزول الناس إلى الشوارع سيؤدي إلى هرب السلطات وتوحد الجيش مع المجتمع وسيتحول المجتمع إلى ديمقراطية ناجحة ليبرالية نتيجتها الأمن والأمان والرخاء، وهذه في الحقيقة كانت يوتيوبيا قائمة على إيمان بوعود وهمية مكشوفة للعيان، وقد كان ينبغي أن يدرك أبناء جيله أنّ الديمقراطية التي فشل تصديرها وإنشاؤها في العراق وأفغانستان لم يكن من الممكن أن تنجح في ليبيا. لكن كثيراً منهم لم يكونوا واعين لهذا الأمر، وقد فات على كثير منهم أنّ النهوض في هذا العصر لا يمكن أن يأتي إلا بالتنمية والتطوير الاقتصادي، وتطوير المهارات التقنية والإدارية، مع تحقيق الدولة الأمان الوطني والمعيشي والاجتماعي للمواطنين. وأشار الأنصاري إلى أنّ الهبة الفلسفية المجردة، أو تلك التي حاولت التصدي لمواجهة موجة الإلحاد لم تواكبها محاولات لتأسيس نظريات تأصيلية؛ مثل تأسيس نظرية للمعرفة، والمحاولات التي تصدت لذلك باء أكثرها بالفشل أو الاقتباس أو الاستيراد، فوجدنا -على سبيل المثال- أنّ التيار الصحوي كان يعتمد في تأسيسه لنظرية المعرفة الفلسفية على ما قدمه محمد باقر الصدر ولخصه في كتاب «فلسفتنا» وعلى الطرح الكانطي في نظرية المعرفة. وأكد وجوب الاستفادة من تطلع الجماهير العربية، لا سيما الفضاء السعودي، إلى مشاهدة المسلسلات التاريخية المتقنة، وأخذ العبرة من متابعتهم للمسلسلات التاريخية التركية؛ وأن تقوم الجهات الداعمة لإنتاج الدراما والسينما في البلاد العربية بالعمل على إنتاج عروض عربية تستطيع جذب المشاهد العربي، بل تصل إلى المشاهدين في الدول الإسلامية. وأنه ينبغي رسم إستراتيجية جديدة للدراما التاريخية في الدول الخليجية والعربية، على نحو يسد الفراغ الذي تستغله الدراما في الدول المنافسة ويملؤه بالمحتوى الدرامي الإيجابي المطلوب عن العرب وأعلامهم وتأثيرهم في حياة الشعوب العربية وغير العربية؛ لأن الهدف من هذه العروض ليس ترفيهياً فحسب، بل قد يكون أحياناً أداة من أدوات نشر القوة الناعمة.