تعيش الولاياتالمتحدةالأمريكية، اليوم، أزمة من نوع جديد على المستوى السياسي والثقافي، إذ لم تشهد من قبل حالة من الانقسام والتصدّع بمثل هذا المستوى؛ رئيس مهزوم يحاول العودة إلى سُدَّة الحكم، ورئيس آخر يحشد كل إمكاناته لإقصاء منافسه، لعبة يستخدم فيها الطرفان كل الأسلحة السياسية والإعلامية والتضليلية، معركة بلا قواعد، كل شيء مسموح.. إنها لعبة السياسة.!؟ منذ أن خسر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب انتخابات 2020، وهو يستعد للمواجهة الثانية مع خصمه الرئيس الحالي جو بايدن، تمضي الأيام وتقترب لحظة المواجهة بين الغريمين؛ فالجمهوري المجازف يرى في نفسه أنه الأجدر على قيادة الدولة العظمى، مقارنة برئيس محاط بفريق رئاسي متماسك وماكينات سياسية وإعلامية عريقة تريد القضاء على ترمب حتى النفس الأخير. فما هو مصير أمريكا المتخاصمة اليوم في عام 2024، حين تبدأ أعنف المعارك الرئاسية في تاريخها؟، فيما يعيش الوسط الأمريكي السياسي والاجتماعي حالة عميقة من الانقسام يرى فيها المراقبون أنها أخطر مرحلة تعيشها أمريكا في ظل الاستقطاب الحاد.. أمريكا اليوم بين رجلين فقط، لا ثالث بينهما؛ ترمب وبايدن. بعض الخبراء في القانون الأمريكي؛ الذين يدعمون ترشح ترمب للرئاسة في انتخابات العام القادم، يرون أن الدستور لا يمنع ترشحه للرئاسة حتى إذا تمت إدانته جنائياً، إذ تشترط المادة الثانية في المرشح للرئاسة أن يكون مواطناً أمريكياً منذ مولده، وأن يكون مقيماً في الولاياتالمتحدة لمدة 14 عاماً على الأقل، وأن يعيش فيها بشكل دائم، وألا يقل عمره عن 35 عاماً، ولا تتضمن الشروط عدم الإدانة الجنائية أو حتى السجن، ومثل هذه الشروط ليست تعجيزية على الرئيس العنيد. وثمة «سنّة» سياسية تتيح لترمب الترشح للرئاسة حتى إن كان متهماً بتهم جنائية، ففي عام 1920، ترشح الاشتراكي يوجين دبس للانتخابات الرئاسية، وكان مداناً بموجب قانون التجسس بسبب خطاب مناهض للحرب عام 1918، كما ترشح ليندون لاروش أكثر من مرة بعد إدانته بالاحتيال في عام 1988، إلا أن الرجيلن خسرا في الانتخابات لكن التهم الجنائية لم تحل دون ترشحهما. ومع حالة الرجل المشاكس دونالد ترمب لا مانع من الترشح للانتخابات الرئاسية التي ينتظرها منذ عام 2020، وهذا ما وعد به الرئيس السابق بقوله «إنه سيحكم حتى من خلف القضبان»، وليس بعيداً عن هذا الرئيس المغامر بكل الطرق والوسائل، أن يفعل ذلك. وأما الفريق المناهض لترشح ترمب الذي يختلق كل العوائق القانونية، لعرقلته ويسوق من أجل ذلك حججاً دستورية مفادها أنه يجب منع ترمب من الرئاسة؛ وفقاً للتعديل الدستوري 14، الذي أُقر في التاسع من يوليو عام 1868، حيث تقول فقرته الثالثة «لا يجوز لأي شخص أن يشغل منصباً حكومياً أو عسكرياً سبق له القسم باحترام دستور الدولة، ثم اشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدها، أو قدم عوناً ومساعدة لأعدائها»، وبين هذين التفسيرين الهشين لا يزال الصراع قائماً بين المرشحين اللذين استحوذا على صورة أمريكا في الداخل والخارج. تكاد أمريكا تكون الدولة الوحيدة في العالم، التي يكون فيها مرشح الرئاسة، إما مرشحاً للحكم إو مرشحاً للسجن، يا لها من مفارقة عميقة في الثقافة السياسية الأمريكية، فهل يمكن أن يكون مصير ترمب السجن بسبب التهم الموجهة إليه، بدءاً من تهم الفساد ومحاولة تغيير نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا في انتخابات 2020 إلى محاولة أنصاره اقتحام الكونغرس في السادس من يناير 2021، إلا أن هذا الفريق المؤدلج من قبل ترمب مستعد للذهاب إلى أبعد الحدود، خصوصاً مع استطلاعات الرأي التي تميل إلى كفة الرئيس السابق، وتتعزز هذه القناعة مع استطلاع أجرته شبكة (سي إن إن) في مارس الماضي، وأظهر نحو 84% من المشاركين في الاستطلاع أن بايدن لم يفز «بشكل شرعي» في انتخابات عام 2020، الأمر الذي يعكس روح التحدي لدى مؤيدي ترمب الذين يشعرون بالهزيمة. إذن، نحن أمام معركة مستمرة بين الجمهوريين والديموقراطيين، أو بين ترمب وبايدن، وهذه المعركة لن توقفها القضبان والسجون ولا الاتهامات السياسية التي باتت أيضا مكشوفة لدى الناخب الأمريكي، ترمب بات مصيراً وقدراً من أقدار أمريكا، ولعل الانتخابات القادمة، هي معركة شكسبيرية.. «أكون أو لا أكون».. وعلى ما يبدو إصرار ترمب وفريقه قد يغيّر من مزاج الناخب الأمريكي الذي يميل عادة إلى الرجل القوي.