الكاتب والمؤرخ حماد السالمي، من أبرز المثقفين المعنيين بالإنسان، ونشاطه الواعي؛ أسهم في التنوير؛ متمسكاً بالثوابت الاجتماعية، ومنفتحاً على المعارف، ومعتنياً بالتضاريس رغم صعوبتها، ومتصالحاً مع المناخات، وإن تقلبت أمزجتها، وكشف في مسامرتنا معه، المهام التي كانت توكل إليه في صغره في شهر رمضان رغم مشقتها، إلا أنه يفخر بها وكانت منجزاً حينها وهم يصعدون إلى قمة أحد جبال قريتهم لسماع مدفع الإفطار في الطائف، وإبلاغ أهله ليتناولوا فطورهم. • ماذا يعني لك رمضان؟ •• يعني خير الشهور؛ الشهر الأميز لما فيه من صيام وعبادة وروحانية، وفي كل رمضان، تتجدد ذكريات الطفولة والصبا، مع احتفاء المجتمع بالشهر الكريم في عاداته من قيام وصيام ولبس ومأكل وتزاور وتقارب أكثر. • وماذا في الذاكرة عنه؟ •• أكثر ما هو عالق بذاكرتي حياتنا ونحن صبية صغار في القرية في رمضانات زمان؛ كان الأهل يتحلقون قبل الغروب في مصلياتهم في انتظار الإفطار، ويكلفوننا بوظيفة يومية قبيل الغروب نحن الصغار، نصعد إلى أعلى قمة في القرية، نتحين سماع مدفع الإفطار، فإذا سمعناه؛ هرولنا في اتجاههم صائحين: ضرب المدفع.. ضرب المدفع. فلا نصل إليهم إلا وكثير من التمر قد تم أكله.. ومن جمالياته؛ زيارات للأسر للسمر بعد الغروب، ونقوم بتبييض جدران الدور من الداخل والخارج استعداداً للعيد، ويحضرون لنا ألبسة للعيد، وكذلك طراطيع. فرحة ما بعدها فرحة. أم حديجان • ما الذي بقي من ذكريات أول رمضان صمته؟ •• لا أذكر بالتحديد؛ إلا أن الأهل كانوا يخفون عنا كل ما يمكن أكله، وحتى الماء يحذروننا من الاقتراب منه، وكنت أحب أن أكون مثل والدي -رحمه الله- في تمسكه بصيامه وصلواته حتى موعد الإفطار. • كيف كنت تصوم وتفطر وتتسحر في مكة؟ •• قضيت في مكة ثلاثة أعوام متتالية أيام الدراسة، لكن رمضان كان يوافق الإجازة، فكنا نصوم بالطائف، فما جربت الصيام في مكةالمكرمة، حماها الله. • ما الشخصية المحببة لك في رمضان؟ •• ليس هناك شخصية محددة في كل رمضان. كنت في الصغر متعلقاً بوالدي -رحمه الله-، ثم عندما ظهر بيننا الراديو أحببت كثيراً شخصية (أم حديجان)، وبعد ذلك ظهرت التلفزة؛ فكنا في كل ليلة لنا شخصية نعجب بها ونتداول الحديث حولها في سمراتنا، ومن أشهر ما كنا نحرص على متابعته الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- في مائدته على الإفطار. سيدة المائدة • ماذا تقرأ خلال شهر رمضان؟ •• منذ أن عرفت القراءة في الصغر، وأنا أحرص على قراءة القرآن في شهر رمضان في كل ليلة جزء منه حتى أتمه فجر العيد. وحافظت على هذا والحمد لله حتى اليوم، فأنا أقرأ كل يوم جزءاً من القرآن الكريم قبيل أو بعد صلاة الفجر. وفي بقية اليوم، أقرأ في الكتب التاريخية القديمة وكتب الأدب والشعر. وفي الآونة الأخيرة؛ أخذت أعود إلى كتب في مكتبتي قرأتها منذ عدة أعوام، فأقرأها من جديد. أجد متعة في كتب التراث وطرائف الأدباء ومساجلاتهم. • ما الطبق الأثير على المائدة؟ •• أما على الفطور، فإن السمبوسة هي سيدة المائدة. وفي السحور؛ أحرص على أكل (الجمل الأجرب).. وهي أكلة تعودنا عليها ونحن صغار زمن الوالد والوالدة -رحمهما الله-؛ تتكون من الرز والدقيق والسمن البلدي. وكان والدي -رحمه الله- يسميها الجمل الأجرب، للشكل الذي تظهر به في الطبق. زمان غير • ما البرنامج التلفزيوني الذي تحرصون على متابعته؟ •• ليس هناك برنامج محدد، ولكن المحبب هو برنامج فكاهي بعد الإفطار وقبيل أذان العشاء. طاش ما طاش كان في أعوام فارطة ضيفاً محبباً لنا، وهو يعود من جديد في التلفزة هذا العام، مسلسل كوميدي في منتهى الجمال. • من تدعون للإفطار معكم؟ •• الأقربون أولى بمثل هذه الدعوات في العادة، الأهل والأقارب والأصدقاء كذلك في سمرات ليالي رمضان. الاجتماع في رمضان له ميزة خاصة. • ما الذي تفتقدونه في رمضان؟ •• في كل رمضان؛ نفتقد من رحلوا عنا إلى جنات الخلد إن شاء الله؛ نفقد الوالد والوالدة وبعضاً من الإخوان والأصدقاء الخلّص، رحمهم الله جميعاً. كذلك نفقد روح رمضان التي كانت قبل أعوام فارطة، رمضان زمان غير، وناسه بكل تأكيد غير. قصيدتنا في الصدارة • ما الذي تودون لو أن كل الناس تلتزم به؟ •• الاحتفاء بشهر الصوم كما كنا من قبل، وكذلك التقارب والاجتماع كلما سنحت الفرصة، وتفقد ذوي الحاجات والإحسان إليهم. • أي عمل تلفزيوني عصيّ على النسيان؟ •• بكل تأكيد مسلسل طاش ما طاش، وعلى مائدة الإفطار للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- وإذاعياً أم حديجان. • هل يتقاعد المثقف، ومتى؟ •• من أدركته حرفة الثقافة لا يتقاعد.. لا توجد جهة تمنعه من الإبداع والعطاء حتى الموت، لكن داءً عضالاً يلازمه حتى الموت وهو الفقر إلا من رحم ربي. • أين تضعون القصيدة السعودية بين القصائد العربية؟ •• أجد أن القصيدة السعودية في الصدارة عربياً، أليست هي التي تنطلق من أرض عربية أصيلة، كل حجر وشجر فيها يتكلم عربي. مجاملات وشللية • لماذا يغلب على كلمات الأغنيات ومواضيع المسلسلات التكرار؟ •• بكل بساطة؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. • ما رأيكم بالأعمال التاريخية في رمضان؟ •• الأعمال التاريخية في رمضان كانت فبانت، لم يعد هناك -من وجهة نظري- ما يغري بالمتابعة. • كيف يتجاوز الشاعر نفسه؟ •• عندما يشعر أنه جزء من كل، ويؤمن أنه يحمل مسؤولية مجتمع وأمة، وليس شخصاً واحداً هو ذاته، وأنه معني بقضايا أمته مثل غيره من أفراد المجتمع. • هل تتحكم المجاملة في إقحام غير الموهوبين على الفنون؟ •• بكل تأكيد.. المجاملة والشللية تفرضان نفسيهما في أحيان كثيرة. لكن دوام الحال من المحال كما يقال. الطائف المأنوس • أماكن ما زالت في ذاكرة السالمي في مدينة الطائف؟ •• ذاكرتي موزعة بين القرية والمدينة؛ وهي تحمل أجمل ذكريات العمر من الطفولة حتى اليوم، قرية تنبض بالحياة بعيداً عن الصخب، ومدينة عرفت فيها مدرستي المتوسطة في باب الريع، ثم المعهد الثانوي في أعلى القيم، ثم مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية عملت بها داخل الطائف، لكن الأكثر جمالاً وشمولاً؛ هو القرى والأودية والجبال والقلاع والمناطق التي كنت أرتحل إليها بأوراقي وكامرتي مستكشفاً ومصوراً وكاتباً وناشراً في صحيفة الندوة منذ عام 1388ه حتى عام 1400ه، ثم في صحيفة الجزيرة منذ عام 1400ه حتى عام 1442ه. وما أكثرها وأجملها وأبقاها في الذاكرة. • مدينة الملوك؛ هل ما زالت بصخبها وجمالها السابق؟ •• مدينة الملوك.. مصيف المملكة الأول.. عاشقة الغيم.. الطائف المأنوس والمأمون، خلقت جميلة للجمال ذاته، وسوف تبقى رمزاً للجمال الذي ينشده عشاق الجمال فيها مهما طال الزمن.