منذ أن مررت قبل سبع سنوات وأنا مغرم بتلك الجوهرة الواقعة في نجد على ضفاف وادي حنيفة.. سحرتني.. سرقت قلبي.. أحسست أنني ولُدت من جديد.. وجدت نفسي مستسلماً لها دون مقاومة.. اجتاحت جيوشها ساحات قلبي.. رممت أركان عقلي.. ورتبت ذكرياتي.. كل شيء هنا يحكي لي قصة.. من جدرانها يفوح المسك والعود.. طيب يأخذك لزمان الطيبين.. حتى أغصان أشجارها التي أصبحت مسارح ترقص عليه اليمامات على تغريد العصافير. بينما أنا غارق في هذا وجدت صاحب منزل يجلس على عتبة بيته مبتسماً، سلمت، فبادرني برد السلام ودعاني على قهوته.. وبين تبادل الأحاديث واحتساء القهوة حديث عن هذه المدينة الساحرة.. استأذنته لرؤية تفاصيل منزله من الداخل فأخذني في جوله بداخله وهو يحكي طفولته حيث كان يلعب مع إخوته في باحة البيت (الحوش) وفي أزقة الحارة مع أبناء الجيران. دخلنا مجلس الرجال (الروشن) الذي كان لم يخلُ من الضيوف.. انتقلنا لغرفه تطل نافذتها على الشارع وتحمل الكثير من التفاصيل والجمال، درع حرب، سيف لم يخف الزمان بريقه، قارورتا عطر، سجادة صلاة، وعاء ماء فخار للماء، مجموعة كتب، نسخه قديمة من صحيفة «عكاظ»، راديو، صورة للملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، خزانة خشبية قديمة بداخلها مجموعة من الطوابع والأوراق النقدية، ومشط، وشال، وصرة من الهيل، وأزهار من الخزامى ذبلت بعد رحيل أصحابها. وأنا أعيش تلك التفاصيل.. حكت لي تلك الأزهار قصة هذه الغرفة، كانت لشخص يدعى «سعود» ولد في قرية قريبة ثم انتقل مع أسرته للعيش في هذا البيت، فيها طفولته ومراهقته وشبابه، تلقى تعليمه البسيط في الكتاتيب، عمل مع أبيه في محل لبيع «البشوت»، وفي سن ال19 أحب ابنة جيرانه «نورة»، حباً نقياً طاهراً دام أربع سنوات، وبسبب أوضاع «سعود» المادية وصغر «نورة» عنه ثلاثة أعوام لم يرَ حبهما النور، غادرت «نورة» مع عائلتها للمنطقة الشرقية، ثم غادر «سعود» للعمل في الرياض.. إنها قصة غرفة في تلك المدينة، وما خفي أجمل.