على الرغم من التحضير القوي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لانتخابات التجديد النصفية للكونغرس، إلا أن الفارق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي لم يكن كبيراً في هذه الانتخابات على عكس ما كان متوقعاً باكتساح جمهوري لها، باستثناء فلوريدا التي استطاع الجمهوريون أن ينتزعوا 4 مقاعد من الديموقراطيين. لقد كانت للجمهوريين فرصة كبيرة بالاكتساح في ظل إدارة جو بايدن لكن الانتخابات أظهرت أن الهشاشة متبادلة. أما الجديد في المنافسة الشخصية بين الرئيسين ترمب وبايدن على انتخابات التجديد النصفي، هو ظهور شخصية جديدة على الساحة الإعلامية الأمريكية والدولية، وهو حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس الذي بات نجماً صاعداً في الحزب الجمهوري، فيما تزايد الحديث عن ترشحه للانتخابات الرئاسة 2024. سانتيس (44 عاما) ذو الأصول الإيطالية كان له الفضل الكبير في اكتساح الجمهوريين ولاية فلوريدا، وبات يحظى بعد الانتخابات النصفية بشعبية واسعة بين الجمهوريين ووسائل الإعلام لدرجة أن الرئيس السابق ترمب حذره من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وقال إن هذا «سيضر به». يمتلك حاكم فلوريدا خبرة جيدة في الشرق الأوسط من خلال خدمته العسكرية عام 2007 في العراق، فضلا عن الإمكانات الأكاديمية إذ درس التاريخ في جامعة «يال» العريقة، وهي ذات الجامعة التي درس فيها الرئيس السابق جورج دبلو بوش، ودرس القانون في جامعة هارفارد وهما الجامعتان المعروفتان بتخريج الشخصيات السياسية الرفيعة في الولاياتالمتحدة، وعلى الرغم من أنه لم يعلن المنافسة على الرئاسة ضد ترمب داخل الحزب الجمهوري، إلا أن معظم التوقعات تشير إلى أنه قد يكون المنافس الحقيقي ليس فقط لترمب، بل أيضاً منافساً معتبراً ضد الحزب الديموقراطي الذي يعد منذ الآن للمعركة الانتخابية في الوصول إلى البيت الأبيض. مواقف سانتيس من قضايا الشرق الأوسط تعكس فهمه الحقيقي لهذه المنطقة خصوصاً من الملف النووي الإيراني والإخوان المسلمين، صحيح أنه حاكم فلوريدا إلا أنه عمل في مواقع مكنته من الاطلاع على السياسة الخارجية الأمريكية، فهو يعتبر من المعارضين للاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، ووصفه حينذاك ب«الاتفاق السيئ» وأنه يهدد الأمن القومي الأمريكي، وفي عام 2012 حين ترأس اللجنة الفرعية للأمن القومي الأمريكي قدم مشروع تصنيف جماعة «الإخوان» منظمة إرهابية، ووفقاً لهذين الموقفين من إيران والإخوان يبدو أن توجهات سانتيس السياسية تجاه الشرق الأوسط قائمة على فهم قريب من توجهات المنطقة خصوصاً. بكل تأكيد؛ الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة يمكن أن تكون أكثر الانتخابات حيوية وأهمية في تاريخ الولاياتالمتحدة بسبب حالة الاستقطاب الحزبي التي لم تشهدها البلاد من قبل، وتراجع الخيارات الرئاسية أيضا، إذ لم تشهد أمريكا من قبل ثنائية رئيسين طاعنين في السن مثل ترمب وبايدن، ناهيك عن الأداء الهش على مستوى السياسة الخارجية وتراجع العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، ولهذا فإن الخيارات الشابة في هذه الانتخابات ستكون قائمة، كما حدث في انتخابات 1992 حين انتصر الشاب بيل كلينتون الجديد على عالم السياسة على الرئيس المخضرم جورج بوش الأب، لأن الأمريكيين كانوا متحمسين للتغيير ويتطلعون إلى أمريكا شابة. وليس من المستبعد أن تكون فرص ترمب قليلة أمام دي سانتيس، أما بايدن فإنه من المتوقع أن يكون رجل الديموقراطيين في الانتخابات القادمة. من هذه الانتخابات الرئاسية لأكبر دولة في العالم ستحدد أمريكا مسارها الجديد وربما مسار العالم كله، باعتبارها الدولة القادرة على رسم السياسات الدولية وتشكيل العالم الجديد، خصوصا بعد الانتقادات الكبيرة للإدارة الأمريكية بقيادة بايدن، إلا أن المرجح بعد صدمة جزء كبير من الأمريكيين في أداء الرئيس بايدن، فإنه من المنتظر أن يكون هناك وجه جديد لأمريكا بعيداً عن ترمب وبايدن، فهل يكون دي سانتيس رجل أمريكا القادم..؟!