ليس هناك رأي أن الانتخابات النصفية الأميركية الحاسمة التي أصبحت على مرمى حجر 8 نوفمبر، تعكس مشكلة مزدوجة وعصية في آنٍ معاً، إذ يوجد حزب ديمقراطي مع رئيس مشكوك في قدرته على الترشح لفترة ثانية، وسط «صمت» حزبه وتدن واضح في نسب تأييده، ما ينعكس بشدة على فرص فوز حزبه الديمقراطي، بالمقابل هناك حزب جمهوري يقوده فعلياً رئيس سابق خسر ولايته الثانية، لكنه يسعى للترشح بعدما فرض قبضته على الحزب، ونجح غالبية مرشحيه في الانتخابات التمهيدية في ظل انقسام قل مثيله بين قيادته وقاعدته، رغم مواجهته سيلاً من الاتهامات والدعاوى. وتكاد تكون الانتخابات النصفية، التي تجري بعد سنتين من الانتخابات العامة، حدثاً مفصلياً، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضاً على المستوى الخارجي، بالنظر إلى نتائجها التي ستترتب عنها مستقبل العلاقات الأمريكية مع الخارج، خصوصاً أن الانقسام داخل المجتمع الأميركي وارتفاع أسعار البنزين والتضخم غير المسبوق، والحرب الأوكرانية، زادا من أهميتها كثيراً وأضحت الشغل الشاغل للعالم. لحظة سياسية داخلية صعبة فقراءة الموقف الأميركي، عن عالم يقف متردداً من تصديق ما إذا كان الخطر النووي قد «ينهي العالم، لا يقل أهمية عن معرفة مآلات الديمقراطية الأميركية في مرحلة ما بعد 8 نوفمبر. ولهذا فإن الأميركيين يصوتون في لحظة سياسية داخلية صعبة، لتجديد 35 من أعضاء مجلس الشيوخ ال100، وكل أعضاء مجلس النواب ال435، وحكام 36 ولاية من أصل 50. ومع أن الرئيس الأميركي يشبه ب"الملوك" في سلطاته، فالواقع يشير إلى أن دور مجلس الشيوخ لا يقل أهمية عنه، بسبب الدور التشريعي والتنفيذي الذي يلعبه. الهزيمة تعني النهاية المبكرة ولذلك يسعى كل الرؤساء الأميركيون إلى الحفاظ على تفوق حزبهم في هذه الانتخابات، رغم أن التاريخ، دائماً ما أظهر فشلهم في ذلك. ولكن، مع ذلك، تمكن العديد من الرؤساء الذين سكنوا البيت الأبيض من الترشح والفوز في فترة رئاسية ثانية، رغم خسارة حزبهم الانتخابات النصفية، وتقليدياً جرت العادة أن يكون أداء الحزب الحاكم في هذه الانتخابات ضعيفاً نظراً لأنه يحمل مسؤولية كل الأمور السلبية التي حدثت خلال الأشهر السابقة، وخاصة في ما يتعلق بالمواضيع التي لها تأثير على القدرة الشرائية للأميركيين وحالة الاقتصاد بشكل عام. استقطاب المستقلين في أي حال، فإن سخونة المواجهة السياسية، باتت تركز على قضايا، يسعى كلا الحزبين إلى التأكيد على أنها ستكون حاسمة إلا أن الرهان منعقد على قدرة الحزبين على استقطاب المستقلين، الذين يقررون عادة مصير السباقات. عرقلة الديمقراطيين ويتمتع الديمقراطيون حالياً بأغلبية ضئيلة في مجلسي الكونغرس. لكن إذا استولى الجمهوريون على الأغلبية، سيصبحون قادرين على عرقلة الكثير مما يهدف بايدن والديمقراطيون لتحقيقه حتى الانتخابات المقبلة في 2024. وبدا واضحاً أن تركيز الجمهوريين كان أكثر على الاقتصاد ولم يكن مستغرباً، إذ لطالما شكل نقطة التحريض والجذب الرئيسة في كل الانتخابات الأميركية، بمعزل عن هوية ساكن البيت الأبيض. الرهان على قدرة الحزبين لاستقطاب المستقلين.. والاقتصاد الكرت الفاعل ازدياد التضخم والبنزين ومع ازدياد تضخم وارتفاع أسعار البنزين غير المسبوق منذ عقود، كان من الطبيعي أن يستغل الجمهوريون تأثيره على حياة المواطنين الأمريكيين. وهم يدافعون عن «إنجازات» ترمب الاقتصادية رغمتشكيك العديد من الخبراء بها، ويحمّلون - عن اقتناع أو ولاء مطلق - تبعات جائحة كوفيد- 19 في «إفشاله» بانتخابات 2020. وفي المقابل، أمام ضآلة تأثير الإجراءات التي تتخذها إدارة الرئيس بايدن للحد من انعكاسات التضخم، حتى الآن، ثمة محاولة لتحميل «عوامل» خارجية المسؤولية، منها ارتفاع أسعار النفط بسبب رفع إنتاج النفط،، فيما راهن الديمقراطيون على تحويل الإجهاض قضيةً لا تعكس قيم «الليبرالية» وحسب، بل وتختصر الصراع مع الجمهوريين المحافظين، الذين يهيمنون اليوم على المحكمة العليا، وأيضاً على المجالس النيابية والمحلية في نحو نصف الولايات الأميركية. سيناريوهات ترمب وللاقتراب أكثر من كيميائية الانتخابات، لا بد من معرفة، ماذا تعني الانتخابات لترمب؟ ففي الحقيقة فإن لدى الرئيس السابق ترمب لعبة تخمينات وتكهنات مستمرة بشأن إمكانية إعلان ترشحه للرئاسة لسباق 2024 قبل أو بعد الانتخابات النصفية 2022. ويؤكد المراقبون الأمريكيون أنها إذا أعلن ترمب قبل الانتخابات النصفية، وأبلى الجمهوريون بلاء حسناً فيها الانتخابات، سينسب له الكثير من الفضل. لكن إذا أعلن وكان الأداء سلبياً، قد يؤثر ذلك عليه سلباً وعلى ترشحه أيضاً للانتخابات العامة 2024. وإذا لم يعلن ترمب قبلها وكان أداء الجمهوريين سيئاً، سيقع اللوم في الأداء على ميتش مكونيل الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ الذي تربطه بالرئيس السابق علاقة سيئة للغاية.وكان يعتقد أن ترمب متحمساً للإعلان قبل الانتخابات النصفية، لكن في الاستطلاعات المتقاربة في سباقات رئيسة، نصحه بعض مستشاريه بأن عليه الانتظار. وكان ترمب قد واجه في انتخابات 2020، موجة رفض واسعة بلغت أكثر من 7 ملايين صوت شعبي لمصلحة بايدن. وهو يحتاج إلى «معجزة» للخلاص من القضايا والدعاوى المرفوعة ضده. وعلى رأس هذه القضايا، التحقيق في المستندات السرية التي صادرها مكتب التحقيقات الفيدرالية من منزله في مارالاغو بولاية فلوريدا، التي قد تعرضه لتبعات جرمية كافية لإنهاء مستقبله الانتخابي، لا السياسي. ولكن بحسب استطلاع أخير، أعرب 67 في المائة من الجمهوريين، عن أنهم يؤيدون استمراره بلعب دوربارز في الحزب، سواء فشل أو مُنع من الترشح للرئاسة عام 2024. وبالنسبة للرئيس جو بايدن الذي أدلى بصوته بشكل استباقي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، مع بداية التصويت المبكر في الانتخابات النصفية، فإن حزبه الديمقراطي يناضل للتركيز على حق الإجهاض، ويراهنون على كسب صوت المرأة، لكونها نصف المجتمع، والمعنية الرئيسية والأكثر تضرراً من قرار المحكمة العليا، التي ألغت الصيف الماضي القانون الفيدرالي الذي كان يحميه أو الأطباء والجهاز الطبي من الملاحقة. ووفق الاستطلاعات الأخيرة، لا يزال الناخب الديمقراطي يضع هذه القضية على رأس أولوياته في الانتخابات النصفية. حقوق الإجهاض وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين ربما يفقدون خلال هذه الانتخابات السيطرة على مجلسي الكونغرس، إذ إن استياء الناخبين من ارتفاع التضخم يفسد الزخم الذي كان الديمقراطيون يأملون في الحصول عليه بعد معركة مريرة مع الجمهوريين حول حقوق الإجهاض. غير أنه في هذا الصيف، كانت إدارة بايدن متفائلةً على نحو متزايد بشأن قدرتها على النجاة من هزائمفي الكونغرس. ذلك أن التضخم المنفلت بدا أنه في تراجع، وأسعار الغازولين المهمة جداً كانت في انخفاض. وكانت الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا الأميركية قد أصدرت قراراً يقضي بأن حق المرأة في الإجهاض يعود لحكومات الولايات حصراً وليس للسياسات الفدرالية، الأمر الذي أثار ضجةً كبيرةً بينكثير من الليبراليين والمعتدلين، لا سيما الناخبين المستقلين المهمين في الولايات المتأرجحة الرئيسية. وفضلا عن ذلك، شملت اختيارات «الجمهوريين» لمناصب في مجالس النواب والشيوخ والحكومات على مستوى الولايات بعض المرشحين المتطرفين الموالين لترمب الذين ما زالوا يظنون أن انتخابات 2020 الرئاسية «سُرقت» ويبدُونَ متشددين على نحو متطرف في نظر الكثيرين. واستطاع بايدن أخيراً الحصول على عددٍ كافٍ من الأصوات في الكونغرس لصالح تشريع جديد كبير، ألا وهو «قانون خفض التضخم». هذا القانون الجديد يشمل سياساتٍ لخفض تكاليف الأدوية ولدعم الرعاية الصحية وبرامج لتحسين سياسات تغير المناخ. إقبال متوسط وسيكون إقبال الناخبين، الذي عادة ما يكون في انتخابات التجديد النصفي أقل كثيراً عنه في الانتخابات الرئاسية، عاملاً حاسماً في الولايات المتأرجحة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهوريين باتوا في وضع يسمح لهم بالفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب وربما ببسط سيطرتهم على مجلس الشيوخ الأميركي أيضاً. وإذا حدث ذلك بالفعل، فلا شك في أن آمال بايدن والديمقراطيين بتمرير تشريع جديد لدعم أجندتهم ستتضاءل. وعلاوةً على ذلك، فإن سيطرةً «جمهوريةً» على الكونغرس تعني أنه ستكون هناك نهايةٌ للتحقيقات حول الشبهات المثارة حول إدارة ترمب. بل أيضاً يمكن أن تكون هناك لجان جديدة يتم تشكيلها من أجل التحقيق في طريقة تعاطي بايدن مع الانسحاب من أفغانستان وأنشطة ابنه هانتر بايدن التي تحوم حولها بعض الشكوك. سلطة الفيتو الرئاسية والواقع أن بايدن ستبقى لديه، رغم ذلك، سلطة الفيتو الرئاسي لعرقلة بعض التشريعات الأكثر تطرفاً التي قد يمررها الجمهوريون، لكن استخدام الفيتو لن يساعده حين يحاول إقناع الأميركيين بإعادة انتخابه في عام 2024. ووفق هذا السيناريو، هناك إمكانية لأن يكون بايدن نفسه تحت ضغط متزايد من أجل عدم الترشح مرة، أخرى بالنظر إلى سنه وصحته. بايدن لن يترشح لفترة رئاسية أما إذا أبلى الديمقراطيون بلاءً أحسن مما كان متوقعاً في انتخابات نوفمبر وحافظوا على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، فإنهم يستطيعون استخدام أغلبية ضئيلة لتأكيد عدد من المناصب المهمة، وخاصةً في القضاء. وفي هذه الظروف، قد تقل الضغوط على بايدن كيلا يترشح للانتخابات مرة ثانية بينما قد تزداد الدعوات الجمهورية لترمب من أجل العدول عن ترشيح نفسه للرئاسة من جديد، والواقع أن ترمب ما زال يحظى بدعم بين قاعدة أنصاره، غير أنه بات يواجه معارضةً متزايدة من منافسيه المحتملين مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ونائب الرئيس السابق بانس، ووزير الخارجية السابق بومبيو. لكن إذا تمكن أولئك المرشحون الجمهوريون الذين دعمهم ترمب، والذين ما زالوا يرون أن انتخابات 2020 سُرقت، من الفوز في انتخابات نوفمبر، فإن ترمب سيكون في موقف قوي إن كان يرغب في خوض غمارانتخابات شرسة أخرى. عودة ترمب ويخشى اليسار الديمقراطي من إمكانية عودة دونالد ترمب والتيار اليميني الشعبوي المسيطر حالياً على الحزب الجمهوري إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وهو ما يراه الديمقراطيون مصدر تهديد لاستقرار المنظومة الديمقراطية بأكملها نظراً لتبني هذا التيار لتوجهات معادية للتنوع العرقي والثقافي وللحريات الشخصية والجنسية ولقيام ترمب وأنصاره برفض نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة في 2020 وترويجهم لسردية السرقة الكبرى للانتخابات The Big Steal ومحاولتهم الانقلاب على الانتخابات من خلال اقتحام أنصارهم لمبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 في سابقة تعد الأولى من نوعها في التاريخ الأمريكي الحديث، وكذلك نظراً لتبني الحزب الجمهوري لبرنامج سياسي يسعى لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية لصالحه ولتغيير الإجراءات الانتخابية على مستوى الولايات للحد من تأثير الكتلة التصويتية الديمقراطية خاصة في أوساط الأقليات العرقية السوداء واللاتينية فيما يعرف بمحاولات تقييد الناخبين. ويتحدث بعض الخبراء الأمريكيين عن سيناريو مختلف وهو إذا تحققت تنبؤات المحللين فيما يخص النتائج المتوقعة للانتخابات، ونجح الديمقراطيون في الحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ بينما نجح الجمهوريون في الحصول على الأغلبية في مجلس النواب، فإن العامين القادمين سيشهدان حالة من الشلل السياسي، حيث لن يستطيع بايدن وحزبه تمرير أي قوانين أو موازنات بدون مساندة الحزب الجمهوري، وهو ما يصعب تحققه في ظل التوجهات الحالية للحزب الجمهوري، وسيتحول بذلك الرئيس بايدن إلى رئيس محدود الصلاحيات حتى انعقاد الانتخابات النصفية والرئاسية المقبلة في 2024.