قد لا تحسم النتائج النهائية للانتخابات الأميركية قبل أيام أو أسابيع خاصة نتيجة مجلس الشيوخ إلا أن المؤكّد هو أن الجمهوريين فشلوا في تحقيق فوز ساحق كما كان متوقعاً، حيث اقتصرت سيطرتهم على مجلس النواب بفارق غير كبير بينهم وبين الحزب الديموقراطي. أما مصير مجلس الشيوخ فيبقى معلقاً على ثلاث ولايات هي أريزونا وجورجيا ونيفادا، فإذا فاز الحزب الديموقراطي باثنين منها سيحصل على غالبية مقاعد مجلس الشيوخ، وسينقسم الكونغرس بذلك إلى مجلس نواب بيد الجمهوريين ومجلس شيوخ بيد الديموقراطيين، الأمر الذي لن يمكّن الحزب الجمهوري من اعتماد الكثير من التشريعات المهمة بما أن السلطة التنفيذية ممثلة بالبيت الأبيض لا تزال بيد الحزب الديموقراطي. وفي تقليد أميركي مستمر منذ الحرب العالمية الثانية، غالباً ما يخسر حزب الرئيس في الانتخابات النصفية، لذلك كانت النسبة المتقاربة بين نتائج الحزبين والفوز المحتمل للديموقراطيين في مجلس الشيوخ أمراً مفاجئاً، ففي ظل إدارات باراك أوباما، ودونالد ترمب، وبيل كلينتون، وجورج بوش، هزم حزب الرئيس في الانتخابات النصفية وخسر غرفتي الكونغرس. وحملت انتخابات هذا العام الكثير من المفاجآت للحزبين، فالحزب الجمهوري حسم مصير ولاية فلوريدا التي تحوّلت من ولاية متأرجحة إلى ولاية جمهورية حمراء بالكامل، كما تمكّن الجمهوريون من قلب أربع مقاعد في ولاية نيويورك لصالحهم وهو أمر غير مسبوق أيضاً، حيث تعتبر نيويورك أهم معاقل الليبيراليين في الولاياتالمتحدة. أما الحزب الديموقراطي فتمكّن من تعزيز سيطرته على ولاية بنسيلفينيا المهمة في الانتخابات النصفية وانتخابات الرئاسة الأميركية، وهي الولايات التي أدت خسارتها إلى خسارة دونالد ترمب في سباق الرئاسة لعام 2020، كما فاز الديمقراطيون بولاية ميشيغان وهي ولاية أخرى متأرجحة كان للجمهوريين نصيب أكبر فيها في مواسم انتخابية سابقة. جمهوريون يحمّلون دونالد ترمب مسؤولية تراجع شعبية الحزب: وتظهر نتائج الانتخابات النصفية بما لا يدع مجالاً للشك بأن الشعب الأميركي وخاصة الوسطيين وغير الحزبيين يخشون من عودة دونالد ترمب إلى المشهد السياسي، حيث خسر عدد من المرشحين الجمهوريين المدعومين من ترمب في السباق الانتخابي بينما فاز معظم الجمهوريين الذين تجنبوا ربط مصيرهم بترمب في مقاعد في الكونغرس ومناصب محلية في ولاياتهم. وانتقد عدد من الجمهوريين البارزين دونالد ترمب على شبكات محافظة مثل قناة "فوكس نيوز"، محملين الرئيس السابق مسؤولية النتائج المخيبة للحزب الجمهوري، حيث هزم مرشحين مدعومين من ترمب في سباقات مهمة مثل سباقي حاكم الولاية ومجلس الشيوخ في ميشيغان، وبنسلفانيا ونيويورك ويسكونسن. وفي لقاء مع شبكة "فوكس نيوز" قال النائب السابق بيتر كينغ، وهو جمهوري من لونغ آيلاند ومؤيد قديم للرئيس السابق ترمب "أعتقد بقوة أنه على ترمب التراجع عن كونه وجه الحزب الجمهوري، وعلى الحزب ألا يكون أسيراً لشخص واحد". وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لترمب من حزبه وخشية الجمهوريين من عودته إلى المشهد السياسي الذي قد يقود إلى هزيمة الجمهوريين في انتخابات الرئاسة 2020، يصرّ ترمب على الإعلان عن ترشيح نفسه في منتصف شهر نوفمبر الجاري وتدمير أي منافس محتمل له من الحزب الجمهوري. وبينما يأفل نجم ترمب، يصعد نجم جمهوري جديد في عالم السياسية وهو رون دي سانتيس، حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري، الذي تمكّن من تحقيق فوز ساحق، إذ أعيد انتخابه بفارق كبير يزيد على 1.5 مليون صوت، مما أثار المزيد من التكهنات بأنه قد يترشح للرئاسة في غضون عامين. وأبدت قيادات الحزب الجمهوري تفاؤلاً كبيراً بدي سانتيس، الجمهوري المحافظ الذي تمكّن من تحقيق هذا الفوز الكبير في ولاية فلوريدا المهمة رغم خلافاته العلنية الكثيرة مع دونالد ترمب ما يشير إلى عدم اهتمام نسبة كبيرة من الجمهوريين برأي ترمب بدي سانتيس. ويعد دي سانتيس، 44 عام، وافداً جديداً نسبياً على الساحة السياسية، لكنه ارتقى إلى الصدارة بسرعة بعد أن أصبح حاكم ولاية فلوريدا في عام 2019. وأشعل فوز دي سانتيس الكبير غضب دونالد ترمب المصرّ على ترشيح نفسه للرئاسة حيث نشر ترمب بياناً هدد فيه "بسكب الأوساخ على دي سانتيس"، وقال ترمب "سأخبركم أشياء غير جيدة عنه، أعرف عنه أكثر من أي شخص آخر وحتى زوجته".