قرأت في «تويتر» عدداً كبيراً من التعليقات على وفاة الشيخ يوسف القرضاوي، كثرة التعليقات وتضاربها تبيّن لنا حجم خلط الدين بالسياسة وانتزاع الدين من جوهره الديني ليتحول إلى مادة سياسة. تقاطر أتباع القرضاوي لحضور دفنه وتوديعه على أمل اللقاء به في الآخرة في مكان واحد. لا يمكن أن نتهم كل من حضر الجنازة وأسال دمعتين على فراقه بالإرهاب، فالناس في بلادنا الإسلامية تعرضوا لحملة غسيل دماغ على مدى عقود تحت شعارات (الإسلام هو الحل) (الصحوة المباركة) (تطبيق الشريعة) و(الخلافة)، وتحت إلحاح الإحباط والضعف وتردي مستوى المعيشة والإحساس بالدونية أمام شعوب كثيرة طفقت الشعوب الإسلامية تبحث عن مخرج من هذا التردي فأصبحوا فريسة سهل التهامها بالوعود الطوباوية والخطب الحماسية والخداع ونفخ الإمبريالية التاريخية، والتخويف من جهنم وحور العين. بعد أن قاد الثوار والبعثيون والقوميون الشعوب العربية إلى منتصف الطريق نحو الخراب، جاء مشايخ السياسة ليستبدلوا كلمة عروبة بكلمة إسلام ويمضوا بنا في نفس الطريق حتى أصبح العراق ساحة للطائفية، وسوريا وليبيا ساحة للتصارع العالمي، واليمن ساحة للخرافة والغيبيات، والصومال وأفغانستان والسودان لا يخفى حالها على أحد، وامتلأت أوروبا الكافرة باللاجئين المسلمين. كانت للشيخ القرضاوي إسهامات لا تنكر في كل ما جرى في العقدين الماضيين. من أبرز إسهاماته فتوى جواز العمليات الانتحارية، فالشيخ برفعته الدينية استطاع أن يؤصّل هذا العمل ويمنحه التفصيل اللازم عند ارتكابه. لا يجوز للمراهق الصغير أن ينجز هذا العمل إلا تحت إشراف وتوجيه الجماعة. لم يحدد من هي الجماعة وهذا يعني أن الشيخ فتح الباب لتكون أجساد المراهقين متاحة لمن يريد استخدامها، فالجماعات التي تعمل في هذا المجال كثيرة؛ داعش، النصرة، الإخوان المسلمين، طالبان، فهؤلاء وغيرهم هم من سيرتب للمراهق رحلته لحور العين والنعيم المقيم في الجنة وتزويده مجاناً بكل ما يحتاج بما في ذلك الحزام الناسف. لا يمكن أن ينسب كل الفضل للشيخ القرضاوي وحده خاصة في عملية تنشيط السفر إلى الجنة، بل مهّد له عدد من المشايخ والدعاة بأن قدّموا أدق التفاصيل لما سوف يلاقيه المراهق فور انتحاره. فلولا خوف كبار السن الفطري لسابقوا المراهقين على الجهاد من كثرة التفاصيل عن جمال وروعة الحور التي وصفوها بأقذع الأوصاف الشهوانية. هذه المشارب ما كانت لتكفي لدفع المراهقين للانتحار واللحاق بحور العين لولا جهود كثير من الدعاة الذين روّجوا للخرافات التي أسهمت في تهبيط قدرة العقول على التفكير السوي. صارت المجتمعات الإسلامية تعيش عالماً افتراضياً يسيطر عليه أهل السحر والجن وغيرهما حتى تشكّل في عقول الناس عالم متعالٍ خارج هذا الواقع الذي يعيشون مساوئه. ترويج فكرة السيادة على البشر والعالم الخرافي والوعود الأخروية سمحت للمبرمج الديني يوسف القرضاوي أن يكون مهندس الإرهاب الأول.