في كل أسبوع تستضيف «عكاظ» مغرداً في «تويتر» وتجلسه على منصة المواجهة ثم ترشقه بالأسئلة المضادة والمشاكسة.. هو حوار ساخن هنا كل يوم ثلاثاء. وضيفنا هذا الأسبوع هو الدكتور علي بن تميم رئيس تحرير موقع 24 الإخباري على الإنترنت وهو أيضاً ناقد أدبي وأستاذ في جامعة الإمارات ومستشار إعلامي وثقافي في مكتب نائب رئيس المجلس التنفيذي في إمارة أبوظبي. تقول: «عندما يستعمل الدعاة الثقافة في ردهم على السلفية المتشددة فإن ذلك يعني في عمقه بأن الخطاب الإسلاموي قد انتهى ولا يصلح بأن يكون منطلقا للنقاش».. ما الذي تعنيه بالخطاب الإسلاموي هنا؟ وهل الثقافة مفردات وكلام أم هي سلوك أولاً؟ هذا ما نلمسه ونعايشه يومياً، إذ انتقل الدعاة بعد ظهور ما يسمى بالربيع العربي إلى مجال التنظير الاجتماعي والثقافي، تمويهاً ومخاتلة، ويبدو أن مرد ذلك إلى أنهم قد فضحوا تماما، أو أن خطاباتهم لم تعد تلائم إيقاعات العصر، لكن ما باغت الجميع وفاجأهم أن مثل هذه الخطابات المخاتلة لم تفرز إلا جماعات متشددة، ضلّلت الجماهير بخطاباتها، ثم اختطفت الثورات، ومن الواضح أن ذلك يعني أن الثقافة في العالم العربي ليست ركناً أساسياً في التنمية، إذ من السهل أن يتمسح المتشدد بخطابات إنسانية وحضارية منفتحة لغايات بعينها، وفي مجملها تضليلية مهمتها الاستقطاب، ولماذا يلجأ الإسلاموي إلى أساليب خطابية تتناقض مع ما يؤمن به، مثلما فعل الغنوشي من قبل عندما فصل الديني والسياسي أو الدعوي والحركي، هنا تجد نزعة خطابية، تظهر غير ما تبطن، وتبطن ما يتناقض مع الزخرف اللغوي الظاهر، فالإسلاموي يعيش في الاستعارة والخطاب اللفظي وهو لا يعيش الواقع أبداً، ويدرك بأن الشباب يستغويهم الافتراضي هذا، لكن هذا الزخرف الخطابي لا شك سرعان ما يصطدم مع السلوك والممارسات، إذ الثقافة هي سلوك يتجلّى بعد المعرفة والعلم، ومثل هذه الخطابات التي تخلو من السلوك، تعبر عن الواقع الراهن لأزمة ثقافية ودينية تتطلب تأملاً وتمييزاً؛ هذا مسلم وذاك متأسلم وذلك إسلامي والآخر إسلاموي، هي مفردات، تستخدم في سياقات شتّى، وكل كلمة لها معناها الخاص، لكن المتأسلم والإسلاموي، بقدر ما يقترب من جذر «سلم» وبقدر ما يذكر بالإسلام ويرتبط به، إلا أن كثرة هذه المصطلحات، تدل على أن التعريفات لكل هذه المسميات تظل مربكة وغامضة ومرتبكة، وفي صراع أشكال أيديولوجية ممزقة، ليست من الإسلام في شيء، وإنما فهم مضلل للإسلام، يحاول أن يتسمح به، لكنه يظل مفضوحاً. الأفكار العنصرية تنتقد دائما السلفية المتشددة وصويحباتها الإسلامويات، حسب تعبيرك.. ما هي المشكلة من وجهة نظرك؟ كم من إسلام لدينا؟ وما هو الحل أي كيف يمكن أن نتجاوز كل هذه الخلافات والإشكالات العنفية والدموية؟ لم أنتقد إلا التشدد، أما السلفية فهي أشكال وأنواع وضروب وأنماط، حتى في الخطاب السعودي الرسمي، هناك تمييز بين سلفية صالحة وسلفية غير صالحة، وهذا ما يعبّر عنه المصطلح المعروف» السلف الصالح» الذي ابتكر هذا المصطلح وأشاعه، يريد أن يحذّر من سلفية غير صالحة، لأنه يريد أن يقول بطريقة أو بأخرى بأن هناك سلفاً غير صالح، وعلينا أن نخوض غمار الفحص حتى لا نقع ضحية سلفية طالحة تتمسّح بعباءة سلفية صالحة، لتسرق زهوها ومجدها، وتتسلق على ظهرها، وعندما نستعمل مصطلح «السلفية»، فإن ذلك لا يعني بأن السلفية واحدة، إذ الجزء المخاتل أيضاً من السلفية مع الإخوان المسلمين وغيرهم أنتجوا جماعات دينية إرهابية جعلت الإسلام وللأسف الشديد مهدداً، وصرنا ندافع عن الإسلام من شرور المتأسلمين، الذين يرتبطون بالإسلام ارتباط أحرف، والمشكلة أن هذه الأحرف المخادعة، جعلت «الأزهر» يتردد في إخراج داعش من دائرة الإسلام، لأنه يعتقد بأن النية ليست من شأن البشر، وإنما علينا باللفظ. الإسلام في نهاية المطاف واحد، لكن من مصلحة هذه الجماعات والفرق والتنظيمات أن تقنع الناس بأن هناك أكثر من نسخة عن الإسلام، وأن النسخة الخاصة بها هي الصحيحة، والباقي كفر وضلال، وأنها هي التي تحمل مفاتيح الصلاح والإصلاح في الدنيا، والجنة في الآخرة، ومثل هذه النسخ والتفسيرات دخلت إلينا من باب الإسلام السياسي المتقنّع بالدين، لكن شيئاً فشيئاً بدأ الوعي العربي والإسلامي يكتشف زيف مثل هذه الادعاءات، ويفكر من جديد في تلك العناصر الأساسية والجوهرية التي تجعل الدين الإسلامي ديناً كونياً، وعلى رأس تلك العناصر التسامح والوسطية وقبول الآخر. أسّست موقع 24 الإخباري الإلكتروني، وهناك إماراتيون آخرون أسّسوا مواقع صحفية وإخبارية على الإنترنت.. ولكم حضور بارز ومتّزن ومنسجم في تويتر.. كيف ترون الإعلام الجديد وهل يمكن التأثير من خلاله وتشكيل رأي جديد مواز لثقافة العنف والكراهية؟ الإنترنت يعد اليوم من الساحات الأساسية في مكافحة الإرهاب إن لم يكن من أهم الساحات عربياً وعالمياً، ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، تتخذ أهمية متزايدة، ويشعر المراقب بالفخر بجهود الإمارات في هذا المجال، وسعيها دون أن تقيد الحريات، ناهيك عن إضافة قيمة جديدة على المحتوى الإلكتروني، فبقدر ما تكشف هذه القيمة المضافة خطورة الإرهاب وتحدياته فإنها تقترح الحلول والخطابات البديلة، لكن ما يمكن الإشارة إليه هنا أن الأمر يبدو أنه يوماً بعد يوم يزداد تعقيداً، إذ الخطابات الإرهابية هذه والمتشددة على نحو خاص، تستخدم الخطابات الدينية، ولا تجد فضاء لنقل هذه الخطابات إلا الإنترنت، بعدما لم يعد لها حضور يذكر في وسائل الإعلام التقليدية، وإن كانت بعض القنوات الفضائية، ما زالت تبث السموم وتروّج الشائعات، ويقصد هنا على سبيل المثال لا الحصر تلك القنوات الإعلامية التي أطلقها الإخوان المسلمون في تركيا ولندن، ما يجعل مهمة مواجهة الإرهاب معقدة، لكن اليقظة الفردية والحرص على فحص الخطابات والأخبار بات يطرح نفسه على مستوى الأفراد، وهذا أمر يدعو للبهجة لكن لا توجد حلول سحرية للعمل على الحد من التطرف والتشدد في الإنترنت، وهذا يقتضي جهوداً كبيرة لا بد أن ينهض بها القطاع العام والخاص تماماً مثلما ينهض بها الأفراد. وموقع 24 الإخباري يستعمل الوسائل التكنولوجية المتاحة كافة، من أجل مكافحة التطرف، لكن جميعنا بحاجة إلى وسائل جديدة وأدوات مستحدثة وحكيمة لمنع ترويج الإرهاب على منصات التواصل، وهنا فإننا ندعو إلى ضرورة التوعية الأسرية وإطلاق المواقع التفاعلية على منصات التواصل وتوجيهها خاصة للأطفال والناشئة، إذ الإرهاب أكثر ما يستهدف اليوم هذه الشريحة، ورأينا أخيراً تزايداً في ظاهرة اقتراف مراهقين لجرائم إرهابية في المنطقة وفي العالم، حتى بتنا مقتنعين بأن شبكات الإنترنت أضحت هي الميدان الفعلي للإرهاب، وأن التنظيمات الإرهابية صارت أكثر احترافية من ذي قبل في تعاطيها واستغلالها لمواقع التواصل من أجل ممارسة نشاطها. من ضمن ما علقت على أحداث تركيا هو تغريدتك «مثلما عاث الدواعش في مكتبات العراق تخريباً فإن دواعش تركيا تهاجم مكتبات جماعات غولن، تتعدد الأوجه والإرهاب واحد». هل كنت ضد الهجوم بتلك الطريقة أم أنت مع إتاحة الكِتاب حتى لو كان ساماً؟ وما رأيك بخطوة وزارة التعليم السعودية في سحب كتب سيد قطب وحسن البنّا والإخوان المسلمين من مكتباتها المدرسية؟ ما قامت به الحكومات في تقنين التعامل مع الكتب المروّجة للإرهاب كان وفق القانون واللوائح المرعية، إذ إن الإشراف على عملية توزيع الكتب بات أمراً يستحق العناية، ولا يمكن هنا تلافي الحقيقة بأن العلاقة الرابطة بين بعض القراء العرب وبين الكتب الدينية أضحت علاقة مريبة، إذ تجده متبعاً لها ولأفكارها اتبّاعاً أعمى، وهنا ظهرت الدعوات الكثيرة إلى ضرورة أنسنة العلاقة بين الكتب الدينية أو التراثية وبين قرائها العرب، ومحاولة نشر الوعي بأن فهم الإسلام ليس بالضرورة هو الإسلام عينه. والتسليم بالأفكار يشكّل أزمة ثقافية تستحق العناية، وعليه، وحتى لا نقع في منع الكتب وحتى لا تتعاظم المسارات الرقابية في العالم العربي، فإن ما نحتاجه لمنع مثل ذلك هو تعزيز التفكير الناقد والقراءة الفاحصة حتى يستطيع الناشئة تحديداً أن ينتقلوا من مرحلة تقديس الفهم إلى وضعه في سياقه، وحتى نصل إلى هذه المرحلة فإن هناك تحديات تطرحها الكتب، إذ لا أحد يمكن أن ينكر بأن ما يجب إيقافه تلك الكتب التي تروّج لما يتناقض مع حقوق الإنسان، لاسيما الأفكار العنصرية ضد جنسية بعينها أو عرق أو حتى ضد المرأة، ولطالما سعت بعض الكتب بلا موضوعية إلى أن تهتك بالرموز الدينية للشعوب والأمم والسخرية بها، وما تقوم به يخلو من الموضوعية. أنا لست مع حرق الكتب، رغم أن حرق الكتب تقليد نشأ وترعرع في الثقافة التراثية، وكثيراً ما تصادفنا دعوات وفتاوى في حرق كتب الفلاسفة القدماء وعلماء العرب، حدث ذلك مع ابن رشد وابن حيان حتى اضطر بعض العلماء القدماء إلى حرق كتبهم بنفسهم نتيجة ما اقترف ضدها من تكفير واتهامات، وعليه فإن مسألة المنع لا بد أن تكون وفق القواعد والقوانين، فلا يمكن، مثلاً، بوجود قانون مكافحة الكراهية في دولة الإمارات، السماح للكتب بترويج الكراهية، أما ما حدث مع المكتبات بعيد الانقلاب الفاشل في تركيا، فإنه يذكر المشهد تماماً بما حدث في مكتبات العراق على يد التنظيمات الدينية المتشددة، إذ هي الفوضى التي لا يحكمها القانون، وكما تظهر الأفلام والصور التي انتشرت بعيد الانقلاب الفاشل فإن عشرات الأشخاص اقتحموا مكتبات تتضمن مئات الكتب، وقاموا بإتلافها في مشهد غير حضاري البتة. تقول: «وزراء التعليم لديهم حماس مفرط في وضع الإستراتيجيات التطويرية وعندما يصلون إلى مادة الدراسات الإسلامية تخور قواهم وترتعد فرائصهم لحجج واهمة».. ما هي الأسباب في رأيك؟ وهل نحن بحاجة إلى وزراء أكثر شجاعة؟ العلاقة بين وزراء التعليم والدراسات الإسلامية تشبه العلاقة بين النقاد وشخصية الجبلاوي في رواية أولاد حارتنا، إذ تجدهم قد فسروا رموز الرواية وشخصياتها كافة، لكنهم عندما وصلوا عند شخصية «الجبلاوي» فإن قواهم قد خارت وتعطل لديهم الجهاز التحليلي، والأمر نفسه يشبه علاقة وزراء التعليم بمناهج الدراسات الإسلامية في العالم العربي، إذ إن دعوات التطوير طالت مجمل المناهج ما عدا مناهج الدراسات الإسلامية، وذلك يعزى لعدة أمور، يأتي على رأسها أن الأولوية في التطوير تعطى للعلوم وليس للدراسات الإنسانية، والأمر الثاني أن تطوير منهج الدراسات الإسلامية يعني عند الكثير ضرباً من ضروب المؤامرة، وما يمكن أن يقال هنا بأن مناهج الدراسات الإسلامية تحتاج إلى وقفة مطوّلة وتكريس جهد كبير، ومن المهم أن تكون المراجعة هنا لا تتميز بالشجاعة فحسب، بل بالرؤية الفاحصة والموضوعية، فبدلا من أن تكون مناهج الدراسات الإسلامية أيديولوجية تعبئ الطلبة بالمواقف الدينية، عليها بدلا من ذلك أن تنظر إليها نظرة علمية وموضوعية، فالتدريس هدفه معرفي أولاً وأخيراً، ومادة الدراسات الإسلامية هي الأولى بأن تكون مادة منهجية وموضوعية فهي لا تقدم في كثير من مكوناتها إلا فهم العلماء للنصوص وللإسلام. والفهم كما ذكرت سابقاً، قد يكون مصيباً وقد يكون مصيبة، وقد يتضمن على فتح معرفي أو اجتياح كارثي، وما يصلح لعصرنا قد لا يصلح للجيل القادم، والقائم على إعداد المناهج التعليمية لا يحتاج إلى شجاعة فحسب، وإنما يحتاج إلى رؤية تعليمية معاصرة ومنهج علمي متطور، يؤمن بالتنوع والاختلاف وتعدد المناهج والمنظورات والمقاربات التعليمية خصوصاً أن التعليم في أفقه البعيد يزود بالأخلاق والقيم التي تصنع شخصية الإنسان وتصقل مواهبه وتحدد مساراته أحياناً. الخطابات الدينية كيف ترى تراجعات الدكتور عبدالله النفيسي وتأكيداته الأخيرة بأن هذه الحقبة «برهنت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإخوان لا يصلحون للحكم وقد تكون تجارب الجماعة في الحكم من مصر إلى تونس وصولاً إلى ليبيا...» طبقاً لاعترافات النفيسي؟ وهل تتوقع تراجعات أو تحولات أخرى من بعض رموز الإخوان؟ لست مقتنعاً شخصياً بما يسمى مراجعات في ما يخص عبدالله النفيسي، فهذه المراجعات هي في الغالب عمل المهزوم أو المنكفئ أو الذي ما زال يمارس ألاعيب السياسة لأسباب أيديولوجية معروفة، وليست مراجعات الضمير والفكر والثقافة، أي أن هذه المراجعات كما رأينا لدى «النهضة في تونس، تقوم أولاً وأخيراً على إيجاد مخرج لجماعات الإسلام السياسي من المأزق الذي وجدت نفسها فيه بعد إفلاس أفكارها وبرهان التجربة العملية على التناقض الجلي بين التجربة والكلام اللفظي، وليست مراجعات تنطلق من الوعي بالمسؤولية التاريخية والإحساس بالأخطاء السابقة، لأن مثل هذه المراجعات لو حدثت يجب أن تبدأ بالاعتراف أساساً بالخطأ، ثم تنطلق إلى التصحيح، لكن مراجعات النفيسي وسواه لا تعترف بوجود خطأ، بل تتحايل على العجز. أنا أرى أن المواجهة مع الإسلام السياسي ما زالت في بداياتها، ولم نصل بعد حتى إلى بداية المراجعات الحقيقية المطلوبة. امتد الإرهاب إلى القارة الأوروبية في الفترة الأخيرة.. هل تتوقع أن كل هذا الإرهاب منطلقاته دينية؟ ألا يمكن أن تقف جهات وأنظمة أخرى مستفيدة؟ كل الاحتمالات واردة وكل السيناريوهات محتملة، والأرجح أننا سنكتشف مستقبلاً الكثير من العوامل المتداخلة في ظاهرة الإرهاب، التي لا تخلو من دور للأجهزة الاستخباراتية، لكن ما يهمنا نحن هو موقع الإسلام من هذه المسألة برمتها، حيث من الضروري أن تقوم المؤسسات الإسلامية المعنية حول العالم، بداية من العالم العربي والإسلامي، بوقفات جادة أمام ما يحدث، وأن ترصد عوامل الخلل وتبدأ بإصلاحها، فوجود مؤامرة أو خطط لتشويه صورة الإسلام أو لإيجاد وقيعة بينه وبين الغرب، لا يعني غياب العناصر الأساسية التي تجعل تنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، قادرة على استقطاب الشباب لمشاريعها الإرهابية. وفي الوقت نفسه، يجب أن نصل إلى مرحلة يتحمل فيها الغرب مسؤولياته تجاه هذه الظاهرة، فالإسلام في الغرب لم يعد ظاهرة مستوردة، بل هو جزء من المجتمعات الغربية، وعلى هذه المجتمعات أن تحلّ مشكلة الاندماج والهوية، وتجد الأطر المناسبة للتعايش بين المجتمعات الإسلامية والدول التي تتنامى فيها أعداد المسلمين، إذ لا أعتقد أنه من الواقعي إغفال هذا التحدي أو اعتبار أن المسالة يمكن حلها من جهة واحدة فقط، بل هو تحد مشترك بين العالم الإسلامي والغرب للتعرف أولاً على جوهر المشكلة، ثم وضع الآليات المناسبة لحلها. كتبتَ في موقع 24 الإخباري «هجوم نيس وهولاند والإرهاب الإسلامي.... الشجب لا يكفي».. أولاً هل الإرهاب تراه إسلامياً؟ وما الذي يمكن أن تقدمه الدول الأخرى غير الشجب والتنديد؟ أليست هذه عادة عربية بامتياز؟ ينبغي ألا يقف ما تقدمه الدول في مواجهة الإرهاب عند حدود الشجب والإدانة، بل عليها السعي بالمبادرات الفاعلة والتحالفات القوية القادرة على هزيمة المد الإرهابي الجارف، وعليها أن تصدر في ذلك عن القيم الإنسانية قيم الحرية والمساواة والإخاء، ولعل هجوم نيس الإجرامي المتوحش يؤكد أكثر من أي وقت مضى أن الحرب ضد الإرهاب ليست حرباً ضد أديان بعينها، وإنما هي في الواقع حرب بين القيم، قيم الحق والمحبة وقيم الضلال والكراهية، قيم التعددية الثقافية السياسية والتنوع والانفتاح والتعايش، وقيم الأحادية الثقافية والانغلاق والعزلة والموت. لكن دعاة التشدد يريدون غير ذلك ويسعون إلى التحايل على الحقيقة هذه ليوهموا الخلق بأن الصراع هو في جوهره صراع بين الأديان، وهذا ما يثبت بأن هناك أزمة إسلاموية متجذرة، على الحكومات ألا تتساهل بشأنها. أوردتَ تغريدة للشيخ يوسف القرضاوي يقول فيها: «القرضاوي لأردوغان: الله معك وجبريل والملائكة لك ظهير»، ثم علقتَ قائلاً: «يبدو أن القرضاوي يقصد أصحاب غزوة بدر الكبرى...»، هل يوسف القرضاوي له تأثير كبير على الجماهير يمكن أن يُخشى منه؟ ولماذا لم نرَ العلماء الكبار يعلّقون ويردعون جملة كهذه لا يمكن أن تقال إلا لنبيّ؟ هذه مصيبة الخطابات الدينية، التي لا ترى الأفعال والحوادث والتحولات إلا من منظور ديني، فإما أن تكون شيطانية إن كانت شراً أو ملائكية إن كانت خيراً، رغم أن أفعال الإنسان بشرية لا شر مطلق فيها ولا خير مطلق فيها والشر المطلق والخير المطلق استحداث دعاة الفتنة في الثقافة العربية، فهم عندما يعجزون عن تفسير ما يجري من ظواهر طبيعية أو سياسية أو اجتماعية يرجعونها إلى المكافأة الإلهية أو العقاب الإلهي، والقرضاوي في تعليقه السابق نموذج حي على ذلك، فهو أول من أدخل الديني في السياسي في تحليله إعلامياً، إذ متابعه يشعر بالدهشة، ويبني محللاً ضمنياً، عالماً بكل شيء حتى إنه يسمع خطوات النمل وهي تسير على الأرض، لكن رغم ما يقدمه من يقين كامل في السياسة المتحولة إلا أن هذا اليقين مبسط، فإما أن يكون صادراً بدعم من الملائكة أو بدعم من الشياطين، لكن ورغم أن القرضاوي قال مقولته تلك متحدثاً باسم الرب جاعلاً من جبريل وملائكته ظهيراً لأردوغان، فإننا لم نلمس رداً من الدعاة عليه، رغم أنه قد أعطى ما للأنبياء للرؤساء. العمليات الانتحارية تقول تعليقاً على تغريدة للشيخ عبدالله بن زايد إنها «تأتي متناغمة مع خطاب دولة الإمارات ومؤسساتها، ذلك الذي يستند على إبراز قيم التسامح في الدين الحنيف بعد أن حاول فقهاء الجحيم ونشطاء الظلام أن يدفنوها».. السؤال هل هناك قوى ظلامية في الإمارات؟ ولماذا حربكم في تويتر على نظام الإخوان المسلمين بهذه الشراسة؟ الأفكار الظلامية وقواها الموهومة موجودة في كل مكان وفي كل زمان، وما يجعل لهذه الأفكار قيمة وأثراً في بعض الدول تنامي الجهل وتفشّي الأمية وتردّي التعليم وانحطاط الوضع الاقتصادي، وإن وجدت ظروف عكس ذلك في مجتمع ما فإن الأفكار الظلامية لن يكون لها أثر يذكر، فالخشية ليست من الأفكار الظلامية إذن، بل من أولئك الذين يتأثرون بها ويعملون على تحقيقها معرّضين مسيرة التنمية للخطر في أوطانهم نتيجة ظروفهم السلبية، وإن تابعت ما يجري في الإمارات، لربما ستكتشف بسهولة أن مسيرة التنمية في تنامٍ مستمر، والظروف المحيطة بهذه التنمية ظروف صحية، فالتعليم في ازدهار والجهل في تلاشٍ والأمية في تراجع، ما يجعل الأصوات الظلامية المثبطة والمتشائمة غير مؤثرة البتة، وهذا أمر ينبغي استثماره في تعزيز التفكير الناقد والتشجيع على إطلاق الطاقات وغرس قيم الولاء والانتماء للوطن من جهة، وفي التحذير من القوى الظلامية من جهة ثانية. فالمجتمعات لا تعيش منعزلة عن بعضها، والعالم أضحى قرية صغيرة، وما يجري في سورية واليمن على سبيل المثال يلقي بظلاله على الخليج كله، كما أن ما يجري في التواصل الاجتماعي يسهم في نقل القيم بسرعة إلى النشء وإن كانوا في فضاءات مختلفة عما يجري في بؤر الإرهاب. وهنا لا بأس من التذكير بالخلايا الإرهابية التي قبض عليها في الإمارات إذ جميعهم على صلة بتنظيمات خارج الإمارات، ما يعني أن الأثر قد يكون مستلباً من الخارج. وفي ظل مثل هذه الظروف يجد الإعلام نفسه في مهمة مزدوجة، فعليه أولاً أن يسلّط الضوء على الإنجازات في مجتمعه وعليه في الوقت نفسه أن يفكك النماذج الإرهابية الأجنبية، إذ إن السكوت عنها يتيح بلا شك انتقال عدواها إلى الشباب، وعلى هذا الأساس فإن تغريدة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات تدخل في هذا الإطار، ومثلها مثل كثير من التغريدات، وثمة خطاب آخر، يستذكر وزير خارجية دولة الإمارات في تغريدته في أول أيام عيد الفطر المبارك الفائت، ليعلّق بها على عمليات انتحارية ثلاث، استهدفت أمن السعودية، وآخرها محاولة انتحارية بشعة ومتوحشة وقعت في المدينةالمنورة، بجانب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إن مثل هذه العمليات لا تعكس إلا تكدس الشر في نفوس المتعطشين إلى سفك الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء. ويقول الشيخ عبدالله بن زايد مستذكراً ومتسائلاً في تغريدته: «هل تذكرون تحريم الشيخ الجليل ابن باز رحمه الله للعمليات الانتحارية... هل تذكرون مفتي الإخوان القرضاوي عندما حرّض عليها!». لم تكن تغريدة وزير خارجية الإمارات إلا استذكاراً وتساؤلاً مشروعاً، ينأى بنفسه عن الأحكام المطلقة والعبارات القطعية والخطابة اليقينية، بل أراد أن يذكر قراءه ومتابعيه، من ذوي العقول المستنيرة، كارهي التشدد والتطرف، محبي الحياة والتسامح والانفتاح، بقيمة التذكر وعظمته وجلاله التي أكدها القرآن الكريم مراراً وتكراراً.. قال تعالى: «وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».