قبل أكثر من عشرين عاما تم الحكم لمواطنة بمبلغ مليوني ريال، وكان ذلك تعويضاً عن الضرر المعنوي الذي عانت منه نتيجة لخطأ وقع قبل 35 عاماً، وتسبب في استبدالها بعد الولادة وتسليمها لعائلة غير عائلتها، وقد ألزمت وزارة الصحة السعودية بدفع قيمة التعويض، وبمعالجتها من الآلام النفسية التي أصابتها بفعل الصدمة. وفي فترة لاحقة، تم تعويض مواطن بحوالى مليون ريال، وجاء الحكم بعد ثبوت براءته من قضية سجن بسببها لأكثر من عام، وحدد التعويض على أساس الراتب الشهري لصاحب القضية، وبعد مضاعفته لثلاثة أضعاف برفع ساعات العمل، في اليوم الواحد، من 8 ساعات إلى 24 ساعة، ونفس الإجراء يطبق في حالة التوقيف الخطأ. بالتأكيد هذا لا يقارن بالتعويضات في الدول الغربية، التي بدأت في أسكتلندا عام 1928 وتعويضها عن وجود حلزون في كوب شاي، ومن ثم تغريم شركة ريد بول لمشروبات الطاقة مبلغ 13 مليون دولار، لأنها كذبت في شعارها، فقد ثبت بالدليل أن مشروبها لا يمنح أجنحة، ومعها شركة نايكي المعروفة، التي دفعت 65 مليون دولار، لعدم تضمين أحذيتها الرياضية تحذيرا يشير لخطورتها، فحذاؤها الرياضي كان سببا في إصابة شخص بجروح في رأسه، وفي المقابل، ألزمت سيدة تايوانية بدفع 9 ملايين دولار لصالح شركة هيرمس انترناشونال، والسبب بيعها 4 حقائب مقلدة تحمل ماركة هيرمس. ثقافة التعويض المالي عن الضرر المعنوي متواضعة جدا في المنطقة العربية، ولا تتجاوز في معظم الأحيان ما نسبته 30% من خسائره المالية، رغم فداحة نتائجه واستمرارها في بعض الحالات، كالشلل نتيجة لحادث مروري، مع ملاحظة أن هناك فارقا بين الضررين المعنوي والأدبي، فالأول تأثيره نفساني داخلي، والثاني يتعرض لسمعة الشخص الخارجية كالشرف والكرامة. في عام 2015 صدر عن المحكمة الإدارية السعودية (ديوان المظالم) تعميم يجيز التعويض المادي عن قضايا الضرر المعنوي والأدبي، وتطبيقاته مقيدة بالقضايا التي تكون الجهات الحكومية طرفاً فيها، والمسألة محل خلاف شرعي قديم، ما بين فريق يرى رفض التعويض المعنوي والأدبي بالمطلق، وذلك لعدم وجود سوابق قضائية في التاريخ الإسلامي، وفريق ثان يشترط وجود ضرر مادي لإقرار التعويض المعنوي والأدبي. الضرر المعنوي والأدبي يتعرض لأمور تؤثر بصورة كبيرة على حياة الناس وتعاملاتهم اليومية، وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لا ضرر ولا ضرار، ما يعني أن الأضرارالمادية والمعنوية والأدبية محرمة في الإسلام، ويمكن رفعها بالتعويض المالي، وبعض الشرعيين يجيزون أخذ هذا التعويض من المرأة الناشز التي أضرت بسمعة زوجها، وكذلك لصالح المتحرش المشهر به لأنه يمتد لعائلته ويضر بمستقبله، والأنسب، في رأيي، هو فتح باب الاجتهاد في مسائل الضرر المعنوي والأدبي، وبطريقة تؤدي إلى إقرار نظام أو تشريع يقنن آلية التعويض القضائي عنهما.