حضرت في الأسبوع الأول من السنة الثانية بالجامعة - أثناء دراستي بأمريكا- مقرراً تعليمياً بعنوان «Professional communication for excutives» «التواصل الاحترافي للتنفيذيين» ولا يخفى على كل من خاض التجربة الجامعية أن الأسبوع الأول هو أسبوع المعاينة بالنسبة للطلبة. حتى يستطيعوا من خلاله اتخاذ القرار بالمضي قدماً أو الانسحاب والتغيير إلى مقرر آخر. حسناً.. عنوان المقرر كان دسماً بعض الشيء مما أثار الريبة في نفسي وزميلي الآخر من سلطنة عمان، لقد كنا الطالبين الأجنبيين الوحيدين في قاعة ذلك المقرر. بدأت الدكتورة أيمي بالحديث عن المقرر، بينما كنت أتناقل نظرات الريبة مع الزميل العماني عن محتوى المقرر الذي يبدو أنه مليء بالخطابة والتحدث أمام الطلاب ولمدة ستتجاوز نصف الساعة في بعض العروض التقديمية. من الداخل يبدو أني قررت الانسحاب حالياً وتسجيل المادة لاحقاً في السنوات المقبلة، لأني شعرت أنّ الوقوف أمام المتحدثين الأساسيين للغة وإلقاء عرض تقديمي سيكون تحدياً مضنياً بعض الشيء. هنا تقدمت الدكتورة أيمي وقاطعت هواجسي وخلجات فكري بطلب مربك. عاصم تقدم إلى الناحية الأمامية من الصف.. أريدك أن تعرّف عن نفسك وتتحدث قليلاً عن تجربتك هنا مذ أن وصلت إلى الولاياتالمتحدة.. استجمعت قوتي ووقفت وتحدثت، ثم طلبت الدكتورة نفس الشيء من صديقي العماني. بعد ذلك سألت الدكتورة أيمي الطلبة الأمريكيين عما إذا كان هناك من يتُقن لغتين منهم. لم يكن في قاعة المقرر أي من الطلاب الأمريكيين الذين يتحدثون لغتين. لذا عبّرت الدكتورة عن انبهارها بالمهارة الإضافية التي نمتلكها، وأشارت للصف أن يصفق لنا أنا وصديقي العماني لأننا الوحيدان اللذان يتحدثان لغتين في آن واحد. لقد فعلت ذلك عمداً كي ترحب بنا وتزيل عنا شجب التوتر وتشجعنا على الاندماج في الصف. هنا أستطيع ان أعترف أنها اللحظة التي استطعت من خلالها كسر الرهبة لتحدث الإنجليزية بطلاقة، علماً أن مستواي في اللغة الإنجليزية آنذاك كان بالقدر الذي يكفي حاجتي ولم يكن بالطلاقة المرغوبة. شعرت أن الدكتورة تشير إلى نقطة مهمة وهي كالتالي: مجرد أن تكتسب لغة غير لغتك الأم وقدرتك على التحدث بها هو إنجاز بحد ذاته. لذا كل ما عليك فعله هو أن تتحدث فقط حتى لو ارتكبت العديد من الأخطاء القواعدية أثناء الحديث. ثق تماماً أن المتلقي سينبهر إذا ما رآك تتحدث لغته ولو ارتكبت الأخطاء طالما أنك ستصل إلى المعنى المفهوم. لقد كان العائق الأكبر في تعلمي للغة الإنجليزية في بلد الابتعاث هو رغبتي في التحدث «بمثالية» ودائماً هوس المثالية في أي شيء هو العائق الأكبر الذي يحول بين المرء وقدرته على الإنجاز. قد قرأت مرة مفهوماً ساعدني في التقدم أكثر للتحدث بطلاقة وهو مفهوم يسمى ب«The law of reverse effect» «قانون الأثر الانعكاسي» والذي يعني بأن المرء كلما بذل جهداً مضاعفاً لإتمام عمل ما، تنعكس النتائج سلباً على أدائه. وهذا ما كان يحدث لي عندما كنت أضيّق الخناق على نفسي من أجل أن أتحدث الإنجليزية بشكل مثالي، كنت أفشل في مرات كثيرة، إلى أن اقتنعت أن طريق النفاذ هو في عدم التزمت كثيراً في مسألة المثالية.. تحدث فقط واستمر بالتحدث، وستتحسن مع الأيام والتجارب، وفعلاً ذلك تماماً ما حدث. هذه نصيحتي التي أهديها إليكم، لا يهم في أي مستوى أنت أو أي عمل تقوم به الآن.. تذكر أمرين: الرغبة في الكمال والمثالية تثنيان المرء عن الإنجاز، وأيضاً ما ذكره مارك توين: «التحسين المستمر أفضل من الكمال المؤجل».